تؤكّد مسيرة الأحداث منذ عقود من الزمن بأن سوريا هي الثابت في المبادئ والأهداف وإلتزام قضايا الأمة، ومنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تعرّضت المنطقة العربية للهيمنة وسلب ثرواتها وجعلها رهينة بأيدي الطامعين ومسلوبة الإرادة، وفي السنوات الخمس الأخيرة صمدت سوريا وقاومت وأفشلت الخطط الأميركية على أرضها رغم شراسة الهجمة وانكشف “الربيع” المزيّف الذي تمّ اختراعه على عجل لتزوير الحقائق وإفساح المجال لقوى الإرهاب لتعمل قتلاً وتدميراً، وتدجينها لخدمة المشروع الذي يستهدف المنطقة، وبشكل خاص استهداف الدولة السورية ومنظومتها القيادية وتفكيك جزء من وحدتها الداخلية من خلال إتّباع “سياسة فرّق تسد” وضرب وحدة المجتمع السوري عبر إشاعة الحروب وإثارة الضغائن والذهاب بعيداً في استخدام كل وسائل التفرقة واختراع أساليب شيطانية وترويج فكر تدميري تديره الدول التابعة للعجلة الأميركية، ومن ثمّ تسخير إمكانيات تلك الدول في خدمة المشروع الذي يصب لصالح أعداء أمتنا، وبما يمهّد للآحادية الأميركية للسيطرة على المنطقة والعالم أجمع ومن خلال البوابة السورية.
وفي الوقائع، سقطت حسابات الأعداء أمام بسالة وبطولات الجيش العربي السوري والقوى الرديفة، ومنع المخطط الأميركي الغربي من تحقيق أهدافه العدوانية.
ومع ارتفاع منسوب اللهب في منطقة الشرق الأوسط وسعي المشروع وأدواته الإستمرار في عملية استنزاف طويلة للدولة السورية، كان الدخول الروسي الى ساحة الصراع وحضوره الفاعل في محاربة الإرهاب الذي يستهدف المنطقة والعالم.
وثبت بأن نجاح سوريا في صد العدوان جاء نتيجة لصدق تحالفاتها وقوة إرادة قيادتها وخلق واقعاً جديداً أربك القوى المعتدية وفضح حجم الإستهداف والإزدواجية الأميركية التي تدعي محاربة الإرهاب بينما هي في حقيقة الأمر توفر له كل الدعم للإستمرار في التدمير ومن ثم الإستثمار السياسي فيه لتحقيق أهدافها.
وجاءت الإنتخابات الرئاسية الأميركية وفاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة، وفي الشكل دون المضمون، نتوقف هنا عند بعض المفارقات، لكن الحقائق واضحة، وظهر مدى عمق الأزمة التي أصابت الجانب الأميركي ووصلت الى بيئته الداخلية، وتزايدت التساؤلات حول جدوى الحرب التي تُشن على سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وفي المجتمع الأميركي ظهر جلياً وواضحاً مدى حالة الغضب التي تسود قطاعات عريضة هناك ضد المؤسسة الأميركية الحاكمة، والمواطن لم يصوت على تغيير حزب حاكم إنما على التصويت على نظام حكم، وأصبح يتّهم نخبة واشنطن وامبراطوريتها الإعلامية، بخداعة وتزييف الحقائق من الواقع الإقتصادي وصولاً الى الحروب الأميركية الخاسرة.
وهذا الزلزال الأميركي ستصل تداعياته الى المنطقة العربية وسيقال بأن الرهان قد سقط على الإرهاب وستثار قضايا دعم الإرهاب والمجموعات الإرهابية.
وفي تداعيات إنتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيتم تفعيل قانون “جاستا” الذي يدعمه ترامب وريع دخل النفط في الخليج والسعودية وحصة الجانب الأميركي واضحة وكل ذلك مقابل الحماية المفروضة التي يقدمها.
وأيضاً ربما يشعر بعض أولئك “العرب” هناك بشيء من الإرتياح لأن ترامب تعهّد “بعدم تصدير الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان الى بلدانهم ولن يتّخذها معياراً لتغيير الأنظمة”، وهذا آخر هم الإستعمار.
والإنتخابات الأميركية كما قال رئيس مجلس النواب الأميركي (الكونغرس) “للمستربول رايان”: “أبرزت شعبية ترامب الذي استمع الى أصوات لم يستمع إليها الآخرون بما في ذلك المؤسسة الحاكمة في واشنطن”، والسؤال هنا، أليس جديراً على معظم النخب السياسية والإعلامية “العربية” أن تتعلم الدرس وتستمع الى نبض الإنسان العربي الذي تُسرق مقدراته ويتم تسخيرها لشن حروب مدمرة خدمة للأجندات الإستعمارية؟
وفي وقائع الميدان أيضاً، هناك حالة من الجدل بعد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، حول الدور الأميركي وتأثيراته في الأزمة السورية وماهية هذا الدور؟ وبعد أن أعاقت الولايات المتحدة برئاسة أوباما خطط روسيا في التمكّن من القضاء على الإرهابيين في وقت قصير، وذهبت إدارة أوباما في دعم الإرهاب بكل الوسائل!.
والسؤال، ما هو المأمول في ظل المتغيّر الجديد؟ كل المؤشرات تؤكّد بأن ترامب سيكون أكثر ملاءمة في السعي لمحاولة فك الإرتباط جزئياً والتخلص من تورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث أكّد أن روسيا وسوريا وإيران هم اللاعبون الوحيدون الذين خاضوا المعركة حقاً ضد الإرهابيين في منطقة الشرق الأوسط، وأوضح أنه يريد التنسيق مع موسكو، وانتقد إدارة أوباما بشدة بسبب تورطها العميق في أزمة الشرق الأوسط، وسيعمل على إبعاد الولايات المتحدة من بعض هذه التدخلات.
من هنا كل الظروف المتوفرة تعطي الفرصة لإطلاق يد روسيا بصورة أكثر حرية في حسم الحرب ضد الإرهاب، وتسمح الظروف أيضاً لرؤية أكثر وضوحاً لحقيقة ما يجري في المنطقة ومَن يقف وراء الحروب والأزمات التي تدار في منطقتنا.
والإستعدادات السورية ومعها القوى الحليفة في الشمال السوري باتت غير مسبوقة وهي مقدمات أساسية لخوض معركة النصر في حلب وهزيمة الإرهاب وقد بدأ العد العكسي للوصول الى لحظة الحسم وهو آتٍ بعزيمة الأبطال المدافعين عن كرامة الأمة وجذورهم المغروسة في حب الأرض ستنبت العطاء والأمل لحاضرنا وغدنا.