التحالف المفضوح بين ادارة اوباما وزعيم “داعش” أبو بكر البغدادي، ضد محور المقاومة والابقاء على وحدة سوريا سرعان ما تكشفت حقائقه بعد ان قامت اربع مقاتلات اميركية ، من طراز «اف ١٦»، و «اي ١٠
بقصف مواقع وتحصينات واسلحة تابعة للجيش العربي السوري، وهو عدوان سافر تجاوز منذ اللحظة الاولى فرضية الخطأ المحتمل والمستحيل، الى عملية متعددة الاهداف، اولها إسقاط دير الزور بيد «داعش»، بعد اكثر من ثلاث سنوات من مقاومة الجيش السوري ووحدات الدفاع الوطني في المدينة التي لا يزال آلاف المدنيين يعيشون في شوارعها المحاصرة من قبل تنظيم “داعش، لكن من المؤكد بأن اسقاط دير الزور ليس سهلا، وان محاولات خلخلة خطوط دفاع الجيش السوري، قد تم تجاوزها، لا سيما بعد استعادة الجيش السوري لمواقعه في جبل الثردة، والاحتفاظ بمطار دير الزور كخط إمداد جوي اساسي للبقاءوالدفاع والصمود في المدينة.
لا يمكن للادارة الاميركية ان تزعم بعد اليوم حربها على التنظيمات التكفيرية المسلحة مع العلم ان لم يسبق للطائرات الاميركية ، ولا لأي من طائرات «التحالف الدولي» ان اغارت على اي من موقع تحتله «داعش» سواء في غوطة دمشق، او في اي منطقة كانت تواجه فيه «داعش» الجيش العربي السوري والمقاومة في سوريا بأكملها، منذ ان بدأت عمليات «التحالف الدولي» في ايلول من العام ٢٠١٤، إذ إن الخطاب العلني لشركاء الولايات المتحدة من اولاند الى سلاح الجو الخليجي فالاميركي، هو رفض شن اي غارة على «داعش» في سوريا يمكن ان تعود بالفائدة على الجيش السوري. هذه العقيدة العسكرية هي في صلب الموقف الاميركي الذي يمنع الضربات الجوية ضد «داعش» كما ان هامش الخطأ يضيق عند الطائرات الاميركية حتى درجة الصفر، بسبب وجود كامل إحداثيات المواقع العسكرية السورية لدى “البنتاغون”، خاصة وان التقارير الاستخباراتية الدولية تؤكد على ان الروس كانوا يزودون الاميركيين بالمعلومات التي تستجد عند اي تغيير في مواقع انتشار الجيش العربي السوري.
ان العدوان الاميركي يوم السبت الماضي ، ليس العملية الاولى ضد الجيش السوري في دير الزور، اذ سعى اوباما على الدوام الى إضعاف النظام السوري في الجانب الشرقي لسوريا ، عن طريق حلفائه الاكراد في هجومهم قبل اسابيع على مواقع للجيش السوري في مدينة الحسكة، ومحاصرة مواقعه. وسبق للطائرات الاميركية ان نفذت هجوما جويا واسعا، على معسكر للجيش السوري في السادس من كانون الاول من العام الماضي، مما ادى الى انسحابه من منخفض استراتيجي على الضفة الجنوبية للفرات يحمي منه دير الزور، وسهل دخول «داعش» بعدها بيومين، الى منطقة البغيلية.
فما الذي دعا اوباما الى الاعتداء على الجيش السوري، في هذا التوقيت؟
نظرت الحكومة الاسرائيلية بعين الريبة الى مسار التسوية الاميركية والروسية حول سوريا على ضوء الانتصارات للجيش السوري في حلب
فنتنياهو يدفع “بالبنتاغون ” ليس فقط للهروب من مسار التسوية المحتمل عبر استهداف دير الزور، بغية تجويف الاتفاق من مضمونه، بل الى استعادة الهجوم لاستنزاف الروس على الجبهة السورية التي لا تشكل بنظر جنرالات العدو الاسرائيلي سوى إحدى ساحات الاستنزاف لروسيا في مقاربة اشمل للمواجهة معها ومع محور المقاومة.بالمقابل فان توقيت العدوان الاميركي يصادف الاستعدادات الجارية في صفوف الجيش العربي السوري المقاومة، وإرسال تعزيزات قريبا الى دير الزور، لفك الحصار عنها، والبقاء على مقربة من الحدود العراقية السورية، والتي تتحكم بطريق محور المقاومة الاستراتيجي البري الذي يمتد من طهران، الى بغداد فدمشق فبيروت. لذلك تخشى الحكومة الاسرائيلية ان يكرر بوتين والاسد الاستفادة من الهدنة الحالية، كما استفادا من هدنة شباط الماضية لدحر «داعش» في تدمر؛ حيث تمكن الجيش السوري من استعادة تجميع قواته إثر الهدنة، واستقدم وحداته التي قاتلت بفعالية في ريف اللاذقية، واستعاد اكثر مناطقه، لقطع طريق القلمون الشرقي على «داعش»، وإخراجه من بلدة القريتين. كما اخرجه بعد ذلك من مدينة تدمر. ومنذ ذلك الحين، عملت ادارة اوباما على منع اطلاق عملية عسكرية سورية روسية مقررة منذ اشهر للتقدم من تدمر عبر السخنة الى دير الزور، بإشغال الجيش السوري، على جبهات الشمال. إن إخراج الجيش السوري من الشرق السوري، كان ولا يزال هدفا اميركيا، لإبقاء العاصمة دمشق بعيدة عن مواردها النفطية والزراعية وإضعاف دورها وسلطتها في اي مسار للتسوية مستقبلا، كما ان إخراج الجيش السوري، يحيي السيناريوهات التفتيتية المتعددة التي جرى الحديث عنها مع انكفاء الجيش السوري تدريجيا من المنطقة، من مشروع الملك الاردني عبدالله الثاني بضم العشائر العربية في المثلث السوري العراقي الاردني الى عرشه، الى مشروع الاقليم السني في الانبار والشرق السوري.
ان الرد على المموقف الاسرائيلي ومخططاته التدميرية في المنطقة يتطلب الاسراع بالتصويت على التفاهم الاميركي – الروسي في مجلس الامن كي لا يبقي الاتفاق «ثنائيا» وغير ملزم، خصوصا ان الادارة الاميركية ترفض الكشف عن مضمونه، وهو شرط لا بد منه للتصويت عليه بأي حال، مما يهدد الاتفاق، ومسار التسوية المفترضة مع اوباما. فالتصويت على التفاهم وتكريسه اتفاقا دوليا من شأنه ان ينهي مرحلة انتظارية يتقاسمها الكثيرون، ممن يراهنون على إفشاله ، والتحلل من التزاماته، لا سيما القوى الخليجية كالسعودية، وقطر بدرجة اقل، التي تخرج خاسرة من التسوية كما يتصورها الروس والاميركيون، بالاضافة الى المجموعات التكفيرية المسلحة.
لا شك ان النظام السوري هو المستفيد الاكبر من التفاهم بين واشنطن وموسكو والذي يفضي الى تشكيل غرفة عمليات ثنائية مشتركة، مهمتها الاولى توجيه ضربات جوية لـ «داعش»، ، والى «جبهة النصرة» وهذا يعني جر اوباما الى التضحية بالعمود الفقري للتنظيمات التكفيرية المسلحة، وضربها، والذي سيحرم المجموعات الاخرى من القدرة على مواصلة الحرب، في ظل التقارب الروسي التركي خصوصا، وتغير الاولويات التركية، من مناوءة الرئيس الاسد ، الى ضرب اي مشروع كردي في الشمال السوري.
ومن دون التبصير في الشق السياسي والعسكري للاتفاق الروسي الاميركي، الا انه لن يكون بعيدا عن مقاربة بوتين المعروفة للحل في سوريا. ولن يخالف الروس في السر ما يقولونه علنا عن ان مستقبل النظام في سوريا يقرره الشعب السوري، وذلك انطلاقا من خارطة طريق تقوم على ثلاثة عناوين رئيسة: حكومة وحدة وطنية، وتعديلات دستورية، فانتخابات برلمانية ورئاسية يشارك فيها الرئيس بشار الاسد.