تبدو التساؤلات هذه الأيام وكأنها سيل لا ينتهي، هناك المعادلة الجديدة التي فرضها الجيش العربي السوري في مواجهة قوى الإرهاب وداعميها، وتمّ إسقاط طائرتين إسرائيليتين على جبهة القنيطرة، وتزداد الأسئلة حدة وعمقاً، ماذا بعد “هدنة” حلب وما هو حصاد المكاسب التي تحققت هناك؟.
وقرار التصدي للطائرات الإسرائيلية التي أغارت على القنيطرة، وما إتّخذته القيادة السورية، جاء في المكان والزمان المناسبين، وهو يحمل رسائل قوية وهامة على الصعد العسكرية والسياسية، واستكمالاً للإنتصار الذي تحقق في حلب، أراد العدو وأد الإنتصار في مهده ورفع المعنويات المنهارة لدى العصابات الإرهابية، وكان الرد السوري حاسماً وسريعاً، والبيان الذي أعلنته القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، كان له وقعه وشدّ إنتباه الجميع حول المشهد الجديد، وفت القيادة بوعدها (الرد في التوقيت والمكان المناسبين).
وما بعد معركة حلب ونتائجها، كثرت التكهنات وسادت حالة من الجدل حول ماهية الخطوة القادمة على الصعد السياسية والعسكرية، وما هي أسباب التصعيد الإسرائيلي الأخير على جبهة القنيطرة؟
بالتأكيد، العدو مستاء من جراء إتفاق “الهدنة” الذي توصلت إليه التفاهمات “الروسية والأميركية”، وجاء في مصلحة سوريا وبرؤية روسية بعيدة المدى، بعد أن تغيّرت المعادلات على الأرض، وأصبح لروسيا اليد العليا في المنطقة ومن خلال البوابة السورية والإنتصارات التي حققها الجيش العربي السوري والقوى الحليفة.
إستاء العدو الصهيوني من هذه الإنجازات التي جاء بعد أكثر من خمس سنوات من صمود سوريا، وهي تنتقل من الدفاع الى الهجوم، و”الهدنة” الأخيرة مجرد فاصلة، وأراد العدو تعكير أجواء الهدنة وإظهار مدى فاعلية تواجده، لكنه مُني بخسارة استراتيجية بعد أن حاول تقديم الدعم لمسلحي “النصرة” المتواجدين بمحاذاة الشريط الحدودي لمدينة القنيطرة والمستفيدين من الغطاء الجوي الإسرائيلي.
ويبدو أن ما جاء في بند إتفاق “الهدنة” من تشكيل قيادة مشتركة “روسية – أميركية” للقيام بمهمة تصفية مسلحي فتح الشام (النصرة سابقاً)، هذا أزعج الإسرائيلي الذي أراد زعزعة الهدنة وإفشالها، جاء الرد السوري قوياً “نحن هنا ونملك القرار والزمن تغيّر لمصلحتنا، وسنتصدى للعدوان وحان وقت الرد الحاسم”.
لقد أثبت العدوان الصهيوني على مدينة القنيطرة مدى التنسيق والتعاون بين العدو والجماعات الإرهابية، والمحاولة مكشوفة لدعمه التكفيريين بعد سلسلة الهزائم في جميع جبهات المواجهة وخصوصاً في مدينة حلب، مما أدّى الى حصار هذه المجموعات وقبول رعاتهم الدوليين والإقليميين من الولايات المتحدة وتركيا بالهدنة التي تستثني القوى الإرهابية.
كان هدف الصهاينة من وراء غاراتهم على القنيطرة وما حولها مجرد رسالة الى التكفيريين لحثّهم على الإستمرار بحربهم ضد الشعب السوري، وثبت بفضل التصدي السوري، بأن الرد كان أبلغ وهو يعني، أن سوريا ستواصل حربها على الإرهاب وداعميه، وهي تخوض الحرب مع حلفائها دفاعاً عن الأمة بأسرها.
وفي التساؤلات المشروعة حول مدى نجاح الإتفاق “الروسي – الأميركي”، وهل من مصلحة للتحالف الأميركي في وقف الحرب الإرهابية على سوريا؟ وهناك زحمة العناوين مثل محاربة الإرهاب وتحقيق حل سياسي، واعتبارات إنسانية، وفي هذا المجال نؤكّد: يكون الإتفاق قابلاً للتنفيذ وتحقيق الغايات المرجوة منه إذا تلازم مع واقع جديد على الأرض يستمر في تغيير المعادلات لصالح الدولة السورية والقوى الحليفة، عندها فقط يكون الحل “الدولي” قابلاً للتحقيق ومن خلال إرادة ورؤية القيادة السورية صاحبة الشأن والسيادة.
إن كل الدلائل والمؤشرات تؤكّد، بأن المشروع الأميركي فشل في المنطقة ومعه كل حلفائه وأتباعه وعملائه، وتوصلوا الى قناعة مفادها إستحالة كسب الحرب ضد الدولة الوطنية السورية ومعها القوى الحليفة، وإضطر الأميركي لإعادة النظر في سيناريوهات الحرب، والإعتماد على لعبة الخداع والتضليل، والزعم بمحاربة الإرهاب، لكن مفهوم الإرهاب لديهم هو سلعة للمتاجرة والإستثمار فيها، هم يتحدثون عن إرهاب متطرّف وإرهاب معتدل كي تستمر لعبة التضليل وكسب المزيد من الوقت للإستفادة منه في إدامة الحرب واستنزاف الدولة الوطنية السورية والقوى الحليفة معها وتأمين أمن الكيان الصهيوني الذي يتم دعمه باستمرار وهو القاعدة الأميركية الأساس في المنطقة.
كل الحقائق تؤكّد بأن الإرهاب صناعة أميركية ولا فرق بين متطرف أو معتدل، كلهم أدوات من ذات المنشأ، تمّ إستنفاذ المتطرف واستثماره وإنتهى دوره، وأصبح لا يمكن ضبطه، ومحاربته اليوم ليس حباً بالشعب السوري ودولته، لكن لصالح إرهاب آخر (معتدل) يجري تسويقه أكثر إنضباطاً ويخطط له لزرعه في نسيج المنطقة وتلميعه تحت مسمى (معارضة) ويراهن عليه في إستدامة الحرب على سوريا.
والملاحظ اليوم، كيف يحاول الجانب الأميركي مد الجماعات الإرهابية المحاصرة بالمؤن والسلاح وتغيير المعادلة على الأرض بعد أن أذهلته معركة حلب الأخيرة، ويستمر التحالف الأميركي – الصهيوني – الرجعي في مخططه!.
وفي الإيجابيات تؤكّد الوقائع كل يوم، إفتضاح حقيقة أميركا ودورها في عرقلة الحل السياسي وهي تحذّر الإرهاب في المنطقة، وتسقط الذرائع الأميركية تباعاً وهي تدّعي بأن محور المقاومة هو مَن يعطّل الحل السياسي، وبالتأكيد إن مصلحة محور المقاومة تتجلى في إجتثاث الإرهاب وإعادة سوريا الى قوتها وبناء ما دمّرته الحرب ضدها، بينما تعمل الخطة الأميركية على إطالة أمد الصراع واعتماد المراوغة ومحاولة تأمين الجماعات المرتبطة بها بالسلاح كي تحول دون إستكمال تحرير حلب.
نقول: هذه الخديعة الأميركية لن تمر، والإحتمالات كلها واردة ومفتوحة، والصراع مستمر حتى تحقيق النصر وهزيمة جميع المشاريع التي تستهدف المنطقة.