من ميونيخ الالمانية الى أورلاندو الأميركية إلى نيس الفرنسية مروراً باليمن وصولاً إلى جرائم الجماعات التكفيرية ضد الإنسانية في عدد من المناطق العراقية، ومجازر “داعش” في سورية تبقى عباءة الإرهاب واحدة مهما تعددت ألوانها، والعمامة التي تخفي ذئابه المنفردة أو القطعان منها هي ذاتها كيف ما كان شكلها…
هذا ما يجب أن تدركه الادارة الاميركية التي تعتبر نفسها قوى عظمى متحكمة بقرار المؤسسات الدولية، لأن الوباء الذي يجتاح العالم لا يراعي مصالح دولة هنا وحسابات أخرى هناك، ولن ترعب بيانات الإدانة “داعش” أو تردع “القاعدة” و”جبهة النصرة” وغيرها من التنظيمات الارهابية ، فهذه المزارع الإرهابية لها رعاتها الذين يبكون نهاراً قتلى العمليات الاجرامية في فرنسا والمانيا وبلجيكا، ويخططون ليلاً لغيرها في أماكن أخرى.
هؤلاء الرعاة يلبسون قفازات الديبلوماسية فوق أيدٍ ملطخة بدماء آلاف الأبرياء في العراق واليمن وسوريا وليبيا واليمن ومصر والصومال، فيما تجرهم أيدي دول تزعم أنها رائدة في الديمقراطية والحرية والسلام في العالم إلى موائد التسويات والصفقات بصرف النظر عما ترتكبه من اعتداءات وتمزيق لمجتمعات عربية وغربية ، لذلك هي مدانة تماماً كما تدان الجماعات الإرهابية لأنها وفرت البيئة وامنت الدعم المادي والمعنوي لوكلاء القتل المجاني لكي يمارسوا أفعالهم الاجرامية سعياً إلى تفتيت المنطقة وتعميم الفوضى والقتل والاجرام في بقية دول العالم.
كل بيانات الاستنكار والشجب والادانة وردود الفعل التي رأيناها وسمعناها طوال الايام والأشهر الماضية على العمليات الارهابية في فرنسا والولايات المتحدة وبلجيكا والمانيا لن تغير سلوك الإرهابيين ما لم تسارع الدول إلى تغيير استراتيجيتها، خصوصاً تلك التي تريد تكريس رؤيتها الاحادية كمسار للعالم، التي وضعت برميل بارود الظلامية إلى جانب نار ما تسميه حماية حقوق الإنسان وتقرير المصير فكانت النتيجة أن تحولت هي الأخر لاحتضان المتطرفين من كل الألوان والمشارب، ووفرت لهم المنابر الإعلامية والمأوى.
ليس الوقت الآن لسرد اخطاء السياسة الاميركية في المنطقة ، إنما هو للتحرك الفعلي لتنظيف الدول والمدن والابنية والشوارع والحارات من آفة لا تفرق بين مسلم ومسيحي أو أسود وأبيض، ولا بين سني أو شيعي أو بوذي أو هندوسي، وهي سرطان لن يتوقف عن الانتشار حتى يقضي على الجميع، فهل المصالح السياسية، والحسابات الخاصة لبعض الدول تستأهل كل هذا الاجرام ؟
هل ستبقى ردود الفعل الحماسية تشتعل بعد كل عملية إرهاب تضرب أوروبا، بينما يومياً تقضي عشرات العمليات الإرهابية على مئات الأبرياء في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وتمر مرور الكرام أمام مرأى العالم المفترض أنه حر من دون أن يحرك ساكناً، في ما يشبه إذكاء نار الحقد عند المتضررين منها على الدول الاخرى حين تراها مكتوفة الأيدي حيال ما تتعرض له من قتل ودمار؟
ألم تتعلم هذه الدول من تجربة تدخلها الدموي في سوريا وكيف جعلتها مرتعاً خصباً لإرهاب “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها من الجماعات الارهابية ما أدى إلى إيقاد نيران حرب دموية أخرجت فيها كل شياطين الأحقاد من كهوف الانتقام، وهل ستبقى على سياستها الاجرامية فيما النيران بدأت تعس في ثوبها، وهل عزف فرنسا وبريطانيا وغيرهما من الدول الأوروبية على وتر حماية حقوق الإنسان واستقبال النازحين من كل صوب وجانب حماها من إرهابيين تربوا في حضنها، وجعلها تدرك فداحة ثمن عدم حل القضية الفلسطينية ومما آلت اليه هذه القضية النزقة بمصائر الشعب الفلسطينب لتحقيق مصالح الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة؟
نعم، جرائم “نيس” و”ميونيخ” و”اورلاندو” … وغيرها مدانة بكل اللغات وهي خروج على القيم الانسانية والحضارية والدينية، خصوصاً الإسلامية، لكن الإدانة لا تكفي، فالمطلوب تعزيز الجهود الاقليمية والدولية لاستئصال الإرهاب من جذوره ، والقضاء على المعاقل التي يخرج منها الإرهابيون وتلك التي يستقرون فيها حتى لا نبقى نحصي القتلى ونترحم عليهم ونوقد الشموع نهاراً حزناً على أبرياء في مكان في وقت يشيح العالم بنظره عن أبرياء يموتون في كل من سوريا والعراق واليمن والبحرين و دول أخرى، فيما نحن بحاجة إلى مشاعل تنير ليلنا المدلهم بغطاء المصالح والتسويات والصفقات والسمسرات التي تحجب عنا الوحش التكفيري المتربص بنا في كلاضقاع العالم.
لا حل لمعالجة كل هذا الجنون الارهابي إلا بتجفيف منابعه الفكرية والمالية والسياسية وهذا لن يتحقق إلا بتحرك اقليمي – دولي تتخلى فيه الدول الغربية عن حساباتها الضيقة الحالية، وإلا ستدفع الثمن كغيرها، بل أضعافاً مضاعفة، لأن التطرف مقتلها وأوضح الأدلة خطاب المرشح للرئاسة الاميركية الأوفر حظاً حتى اليوم دونالد ترامب الذي يعبر عن تطرف لا يختلف عن “داعش” و”القاعدة” “والنصرة” إلا في المصطلحات.