يسأل المواطن العربي عن البلاء الذي ابتليت به بلادنا، وفي خضم المعاناة والصراع الدائر والحرائق المندلعة، تتمحور الأسئلة عن النهاية والخلاص من الوضع السائد وما هي السبل الكفيلة لإستعادة الإستقرار والأمن والأمان الى بلادنا؟
وفي الإجابات المقنعة لا مكان للإنشاء والعواطف والتغني بأمجاد ذهبت ولم تعد، لكن لا بدّ من البحث عن الأسباب التي أدّت الى الوضع الراهن، وتحديد ثقوب الضعف التي تسلل من خلالها الوباء الذي أصاب جسد الأمة وانتشر كإنتشار النار في الهشيم.
إنه الإرهاب، سرطان العصر، وآفة الرأسمالية المتوحشة وتداعيات العولمة في الإقتصاد والإبتعاد عن القيم والمثل العليا والبحث في كهوف التاريخ وصولاً الى عودة “أبو جهل وأبو الدمار” أو مَن هم من شاكلتهم من أدوات الفتنة والظلام.
لم تأتِ الأحداث المدمرة من فراغ، إنها نتاج تراكمات طويلة وعقود من التخلف والتبعية، هي من إنتاج الغرائز والإبتعاد عن لغة المنطق والعقول، ويبدو أن سنوات التتريك والتجهيل والإنكشاريين قد عادت من جديد من خلال “الدواعش”، والفكر الوهابي التكفيري الذي وجد بيئته الخصبة وتحوّل الى أداة بيد القوى الإستعمارية وقوى الهيمنة والغطرسة، فانتجت هذا الكم الكبير من الخراب والدمار.
ومنذ عقود عملت القوى الرجعية العربية على ترسيخ التخلف والتجزئة وإشاعة العادات القبلية الجاهلية والخضوع الى مشيئة أفراد من الحكام الجهلة الذين ارتضوا الخضوع لقوى الهيمنة العالمية ولا يهمهم سوى كراسي الحكم وفئة ضالة خرجت عن منطق الشرائع وارتضت في إصدار الفتاوى التي تشوّه صورة الدين الحنيف وذلك إرضاء للحاكم وأسياده، لذلك تغلب الخاص على العام ومنطق القبلية على منطق الأمة.
وفي زمن التخلّف والبلاهة، تستمر الحرائق وهي تطال أمجاد الشهداء وتاريخ الأمة ومستقبل الأجيال وحاضرها، وحتى صورة الربيع تشوّهت من خلال دمارهم.
إنها لعبة من التزوير والخداع، وتستمر الرجعيات العربية المتلازمة مع الفكر الوهابي التكفيري في تدمير حضارة الإنسان العربي، وتستمر في تبذير قدرات الأمة في حروبها بعد أن جعلت من الإرهاب صناعتها وهي صنيعة القوى الإستعمارية، وفي سبيل تحقيق أهدافها اللعينة تباع الأوطان ويشترون المذلّة، وأيضاً يتم ابتزازهم واستفزازهم بأموال النفط وفوائضه، وعندما فشل المشروع الأميركي في المنطقة في تحقيق أهدافه، يتم محاسبتهم.
وهنا نتوقف عند التصريح الذي أدلى به مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي “بن رودس”، وذلك قبل يوم من زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للسعودية قال فيها: “إن تنظيم “القاعدة” تأسس بأموال سعودية”، وهذا التصريح جاء بالتزامن مع بدء الكونغرس الأميركي لمشروع قانون “يحمل السعودية مسؤولية اعتداءات 11 أيلول 2001، وهو ما يتيح “ملاحقة السعودية أمام القضاء الأميركي لمطالبتها بتعويضات لعائلات الضحايا أو أن يتم إنجاز هذا الأمر عبر الطرق الدبلوماسية وليس عن طريق المحاكم”.
وهذا يعني وبكل وضوح “إن الحليف والصديق الأميركي للسعودية” لم يعد صديقاً حقيقياً كما كان الأمر يسوّق لعقود طويلة، هذا رغم أن واشنطن تعي تماماً “أن القاعدة في حقيقة الأمر صناعة أميركية”.
وفي المؤشرات، تؤكّد بأن اللعب أصبح مكشوفاً بين الجانبين وفي طريقه للتحول الى إبتزاز واضح، وعلى كل عاقل أن يقرأ ما بين السطور وما يجري لا يمكن فصله عن نتائج الميدان والصراع الدائر في المنطقة ومن خلال البوابة السورية.
وأيضاً يبدو أن المفاوضات السياسية والتعاون بين موسكو وواشنطن قد أصبح معلقاً وهو في طريق مسدود، ليس في الملف السوري فقط، بل في كل الملفات التي سترحل للإدارة الأميركية المقبلة، ونحن أمام لعبة شراء الوقت، تحاول إدارة الرئيس الأميركي أوباما تحقيق إنجاز ما على الأرض، لذلك جمدت جميع ملفاتها وبدأت بالتركيز على أمر واحد “تحقيق إنتصار على “داعش” في العراق وسوريا يسجل في إنجازاتها، ويعين حزبها في السباق الرئاسي”.
وفي الشأن الدولي والإقليمي، يبدو أن الصراع الدائر في المنطقة، أضيف الى الصراع الدائر في أوكرانيا وأوروبا الشرقية وحوض البلطيق، وهو رمز للصراع بين موسكو وواشنطن، وبينما نجحت روسيا في إعادة فرض تواجدها القوي في المنطقة والعالم كقوى عظمى، يبدو الإتحاد الأوروبي وهو منشغل بين غربه وشرقه على قضية اللاجئين وأيضاً أوروبا منشغلة بمستقبل إتحادها ووحدة سياساتها وقلقها من احتمال عودتها كخط للمواجهة في الحرب الباردة المتجددة.
وأمام الإنجازات التي يحققها الجيش العربي السوري ومعه قوى محور المقاومة على الساحة السورية إن في تدمر وحلب والرقة والطبقة وفي الشمال السوري بشكل عام، يصاب الجانب الأميركي في الصدمة التي تظهر في مواقفه المستغربة كتلك التي صدرت عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري وقوله: “إن صبر أميركا بدأ ينفذ بشأن سوريا وأن على روسيا وسوريا الإستجابة للموقف الأميركي بوقف كل العمليات العسكرية في سوريا عامة وفي محيط حلب خاصة”.
ويرد عليه رئيس الأركان الروسي: “نحن مَن نفذ صبرنا حيال الوضع في سوريا وليس الأميركي”.
وصدر موقف آخر له دلالته من ما سمي موظفي الخارجية الأميركية وتوقيع خمسين منهم على وثيقة أو عريضة تطالب الإدارة الأميركية بقصف الجيش السوري ودمشق كون سوريا لا تلتزم الهدنة الشاملة، وهنا طلب آخر صدر عن مسؤول أميركي في البيت الأبيض “يتضمن طلباً أميركياً مباشراً من روسيا للضغط على الحكومة السورية لوقف الأعمال القتالية في سوريا”.
والسؤال هنا، كم هم من جهلة ومتغطرسين؟ وهل ينتظر كيري من سوريا أن تستسلم للعدوان دون مقاومة أو دفاع عن النفس؟.
وفي الميدان ترد سوريا وبقوة ومعها أطراف محور المقاومة على العنجهية الأميركية والسلوك الإستفزازي، وبعد مضي أشهر من المماطلة والتسويف الأميركي والوعود الكاذبة بضبط الجماعات المسلحة.
اليوم هناك عودة الى الميدان وبكل قوة، ويبدو أن معركة حلب والرقة قد بدأت تفرض نفسها كمحطة مفصلية في الصراع الدائر في المنطقة وعلى الساحة السورية، وعندها يقترب الحسم النهائي ونصل الى النهايات المأمولة وتحقيق النصر على الأعداء.