وضعت الانتخابات البلدية بلبنان أوزارها. كشفت عن تحوّلات وتغييرات في الشارع. الجيل الشاب في الأحزاب بدأ يمارس نوعا من الثورة الداخلية على الصيغ فيما اعتبرت الانتخابات البلدية مؤشر على غضب اللبنانيين لا سيما في صفوف الشباب الذين خاضوا الانتخابات البلدية على مساحة الوطن ومن خارج الاطر التقليدية والتحالفات الفوقية.
بالطبع هناك ما عرف بـ «التسونامي»، ويقصد به انتصار وزير العدل اللواء أشرف ريفي بطرابلس رغم تحالف قوى كبرى ذات مال ونفوذ ضده مثل الرئيس نجيب ميقاتي، والرئيس سعد الحريري، والوزيرين محمد الصفدي وفيصل كرامي، هذا بالإضافة إلى الجماعة الإسلامية والأحباش، التسونامي هذا هو الذي غيّر خرائط اللعبة على الأرض.
لم يتخيّل احد من اللبنانيين ان يصبح اللواء اشرف ريفي في يوم من الأيام حالة تمردية في الساحة السياسية الطرابلسية حتى قبل دخوله إلى نادي الوزراء في حكومة تمام سلام كوزير للعدل . فالرجل الذي برز عندما شغل منصب مدير عام لقوى الامن الداخلي لطالما أثار ضجة وهالة كبيرة من حوله.
وهو ما دفع الرئيس سعد الحريري إلى التمسك به لينسج معه أفضل العلاقات مقارنة مع أقرانه من قيادات تيار المستقبل، وان كان اللواء وسام حسن قد لعب صلة الوصل بين الحريري – ريفي بناء على طلب الاخير .
بالمقابل فان نهاد المشنوق، وزير الداخلية الذي نجح في إدارة الانتخابات بدون خسائر أو خروقات تذكر ، كان غاضباً على وصف انتصار أشرف ريفي بـ «التسونامي»، لأنه من المبكر الحديث –حسب رأيه- عن تغيّر كبير على ا لساحة السنية . ولكن فات المشنوق بأن الانتخابات البلدية هي أول مؤشر للناخب اللبناني الذي اشتاق إلى صناديق الاقتراع، فنوّابه ممدد لهم، والانتخابات هذه كشفت الغطاء عن غليانٍ كبير في الشارع ضد ما يمسونه بـ “الزبائنية السياسية”.
التيارات التي خسرت في طرابلس وفي طليعتها تيار المستقبل عليها مراجعة نفسها، وان كان قد سارع بعض نواب التيار الازرق على وضع هذه الخسارة على كاهل السعودية،الامر الذي اثار استنكارا في الساحة السياسية والدبلوماسية في لبنان، حيث استغرب سفير المملكة في بيروت علي عسيري على المواقف التي أدلى بها عدد من النواب الذين اقحموا السعودية في عدد من الملفات الداخلية، ومن بينها الانتخابات البلدية .
ليس صحيحا ان السعودية لا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، فهي من اكثر المعطلين لملف رئاسة الجمهورية، الذي يعتبره اللبنانيين ملفا سياديا ويعود لهم وحدهم حق القرار فيه، اضافة الى تورط السعودية العسكري والامني في عدد من الازمات في المنطقة وفي طليعتها الازمة السورية التي تؤثر الى حد كبير على عدم إيجاد حل للأزمة السياسية وإنهاء الشغور الرئاسي لينتظم عمل مؤسسات الدولة ويعبر لبنان إلى مرحلة من الاستقرار والازدهار الاقتصادي .
لكن الصحيح ان اللواء ريفي بهويته السياسية يلامس أعلى السقوف في محاربة “المشروع الايراني والسوري ” في المنطقة ووعيد بالمواجهة وعدم الاستسلام، وانتقاده لـ”المقاومة” قبل ان يسارع بعد فوزه في الانتخابات البلدية الى مد اليد “لحزب الله ، اما ريفي في نسخته الوزارية يلقبه المنزعجون من أدائه بوزير “السعودية” في حكومة الرئيس سلام . وما بين النسختين ترتسم صورة حقيقية لريفي هي صورة تتحدث عن طموح سياسي كبير لرجل ما توقع أحد أن يكون وزيرا للعدل ، فهو المدير السابق لقوى الامن الذي يجيد فنون الأمن والعسكر.
في إطلالته الاعلامية الأخيرة على احد البرامج السياسية تحول كلام ريفي إلى حالة يجب التوقف عندها ، فانتصاره الطرابلسي استجلب ترقبا عند الكثير من السفارات العربية والاجنبية وفي طليعتها السفارة السعودية في لبنان ،لا شك أنه انتصار وضعه عدد من المراقبين بمثابة “الدعسة الاولى” لسياسي يمتلك طموحا بمناصب أعلى مما وصل إليه، فيما يذهب البعض باتجاه معاكس عندما يقول إن ريفي يدرك أن مفتاح بوابة رئاسة الحكومة بيد «حزب الله» و ما صرح به عقب فوزه بالانتخابات البلدية يثير السعادة والقبول لدى الحزب وبالتالي ما قاله جاء عن سبق إصرار وتصميم.
اللواء ريفي حالة جدلية إلا أنه وسط هذه الحالة يبقى السؤال: أين الرئيس سعد الحريري من حالة ريفي المستجدة على الساحة الشمالية؟ ..فصاحب بيت الوسط ملتزم الصمت، البعض يفسره قبولا والبعض الآخر غضبا.. لكن المؤكد أن في الحالتين “ارتباكا كبيرا”