في حقيقة الدول الإستعمارية وجرائمها في حق الشعوب، نأخذ مثالاً صارخاً تعيشه البشرية والشاهد على ذلك شخصيات بارزة في الإدارة الأميركية، الزعيم الأميركي مارتن لوثر كينغ قال عن حقيقة أميركا “إن مفتاح العنف الوحيد في العالم هو بلدي”، ولأنه قالها تمّ اغتياله.
وآخرون تحدثوا عن “الخواء الروحي في قلب المجتمع الأميركي، أنه ورم خبيث ينتشر في أرواحنا”، أما الكاتب الأميركي “روبرت دول” صاحب كتاب “الكابوس الأميركي”: “مادية المجتمع الأميركي وعسكرتيارته تدعوان الى القرف اليوم أكثر من الأمس”، وفي إحصائيات سجلات الأمم المتحدة: “إن عدد الناس الذين قتلتهم أميركا في حروبها منذ الحرب العالمية الأولى وحتى حرب أفغانستان زاد عن 60 مليون إنسان”.
وأميركا هذه لا تخفي حقيقتها الشريرة، فقد اعترف هنري كيسنجر بوضوح: “ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وأن تحرك المجتمع الأميركي”.
وبعد هذا، هل من عاقل يعلّق آماله على أميركا؟ بالتأكيد “فاقد الشيء لا يعطيه، وأن لا شيء يخرج من لا شيء”، وهذا يدفعنا الى السؤال التالي: هل حقيقة أن الولايات المتحدة تحارب الإرهاب؟، ورغم ضخامة الإمكانيات والقدرة المتوفرة لهذه الدول الآفة، فهي حتى اللحظة تتذرّع بأنها لم تفرّق بعد بين الإرهابيين وما يسمى معتدلين، أليس السبب المؤكّد يتمثّل في كون الإرهاب صنيعة إستعمارية وأحد أدوات المشروع الأميركي – الغربي في المنطقة؟ ألا يكفي ما قاله الناطق باسم الخارجية الأميركية: “إن ثمة حالة من الإلتباس لدى الولايات المتحدة في تحديد الإرهابيين وما يسمى معارضين معتدلين في سوريا والتفريق بينهما”!.
وبكل صلافة يدعو موسكو الى “الإمتناع عن توجيه ضربات الى “جبهة النصرة” حتى نحدد هذه المجموعات”، وأميركا هذه كانت قد وافقت على قرار مجلس الأمن الدولي الصادر عام 2012، على إدراج “جبهة النصرة” ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
لا شيء تغيّر، من المؤكد بأن الإرهاب أداة لا غير، وإمبراطورية الشر هذه يدّعي ساستها: “إننا نحمل على كواهلنا حريات العالم، نحن الشعب المختار المميّز – “إسرائيل” هذا الزمان”.
وبالعودة الى التاريخ الذي يروي الحقائق وما قاله الرئيس الأميركي، “وودرو ويلسون” في مذكراته: “إن أميركا تريد من شعوب العالم: الخضوع لحقنا في استغلالهم ونهبهم”، أو ما قاله الرئيس الأميركي هاري ترومان عندما أمر بإلقاء القنابل الذرية على اليابان: “إن الولايات المتحدة إستجابت لإلحاح العناية الإلهية، وقبلت أن تأخذ هي زعامة العالم على عاتقها”.
والإستراتيجية الإستعمارية التي مازالت معتمدة تقوم على تقاسم النفوذ في المنطقة العربية أي الوطن العربي، وهي تعتمد على سياسة “فرّق تسد”، واللعب على التناقضات والتفريق بين الطوائف والمذاهب والإثنيات، والعمل على معادلة “المكونات يجب أن تبقى محتاجة الى الحماية الخارجية”!.
وهنا نذكر أطماع بريطانيا للسيطرة على ما بين النهرين (العراق)، لأن هذه المنطقة يمكن من خلالها منع روسيا من الوصول الى المحيط الهندي، وهي بحثت عن “البيت الإسلامي” الذي تعطيه تأييدها شريطة ضمان ولائه لها، حصل هذا في الماضي، ويحصل الآن من خلال الأداة “الداعشية” ومَن يدعمها، وهذا يعطي صورة واضحة عن أغلب السياسات الغربية في هذه المنطقة.
والوقائع الماثلة تعطي لنا المثال الحي الذي تعيشه المنطقة، والسؤال هنا يتعلق بمقاربة الحرب التي تُشن على سوريا، ويتم استهداف “مكوّن سُنّي” في وعيه وثقافته العربية والإسلامية لأنه الكتلة الأكبر، وتعمل قوى الهيمنة العالمية على العمل لتحويل هذه الكتلة من مقاومة تحررية الى شريك في التوجهات الإمبراطورية الأميركية.
ويتم استهداف الأمة العربية والإسلامية من خلال مخطط تدميري شامل، والهدف منع قيام قوة حقيقية ومنع التواصل بين الكيانات القائمة وجعلها رهينة في قوت يومها ومستقبل أجيالها، وتعمل قوى الهيمنة على طرق أبواب التاريخ وصفحاته وتحاول إلغاء كل القيم التي ترفع من شأنه الأمم وتسمو بها، وممنوع قيام أي صيغة وحدوية فيما بين الكيانات، والمصالح الغربية تريد بقاء اليد الطولى لها، ترسم من خلالها مفاصل الحكم وشكله.
لذلك يستهدف الأعداء كل مشروع يحقق تطلعات أبناء أمتنا في حياة حرة كريمة، لذلك إختلقوا “داعش” وكسيناريو جديد مضمون الولاء يقوم على الفكر الوهابي التكفيري، “وداعش” أريد لها أن تكون السيناريو الذي يعمل عليه بعد أن تراجعت القدرة الكلية لدول الغرب الإستعماري بعدما غرقت في أزماتها الإقتصادية، واستحال تحقيقها بعض الأهداف، وأيضاً الكيان الصهيوني لم يعد صالحاً للقيام بالدور المنوط به بعد أن ظهرت المقاومة التي يمثلها “حزب الله” وأسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي عُوّل عليه الكثير.
وفي الحقائق ومنذ الإجتياح الأميركي للعراق عام 2003، وفشل السيطرة عليه، يتم العمل اليوم على تعويض ذلك من خلال استثمار ما يسمى “الحرب على الإرهاب”، بهدف السيطرة على جزء من الأرض العراقية والسورية لإقامة الكيان الجديد بدعم من الكيان الوهابي الذي انتهت صلاحيته وفيه الأولوية لمصالح قوى الهيمنة العالمية، لذلك “داعش”، آخر تجليات المشروع، إختراع “رجل دين” يحرّض على الغزو باسم الرب وبيت مال يموّل الغزو وهناك مَن يطمح بالمزيد من النفوذ.
بالتأكيد، هذا المخطط مصيره الفشل، ونحن أمام مفترق طرق، لكن طريقنا واضح، المقاومة التي انتصر من خلالها أبطال “حزب الله” وبواسل سوريا أبطال الجيش العربي السوري الذين يدافعون عن كرامة الأمة هي طريقنا لتحقيق النصر على الأعداء.