كعادتهم ، في كل أرض العرب، يضيع اللبنانيون الفرص التاريخية، ولا يستيقظون إلا بعد أن تلفح وجوههم نيران الأزمة. هذا ما حدث بالضبط لمسيرة قوانين الانتخابات النيابية وفي طليعتها قانون الستين الذي لمع نجمه من جديد بعد ان كشف نائب امين عام حزب الله نعيم قاسم انه “اذا لم يتم التوصل الى قانون الانتخابات ، وفي حال مر الوقت اللازم لاقرار القانون سنكون امام قانون الستين “.كلام قاسم استدعى ردا مباشرا من رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب الذي اعتبر ان “قبول حزب الله بقانون الستين خطأ كبير وندمير لحلفاء الحزب وتسليم البلد لاعداء الامة”، مناشدا السيد نصرالله لوضع حد لهذه الخديعة التي تحاول انتاج مجلس نواب مزوّر بغطاء شرعي.
لقد ظلّ الكتاب والصحافيون يكتبون عن النظام الاكثري والنّاصحون يتحدثون عن مميزاته ، عن أن قانون الستين هو علاج ناضب وبالتالي مؤقت، وأنّ الحكمة تملي أن نتوصل ولو بعد زمن طويل الى قانون النسبية في الانتخابات لبناء المستقبل ولتحقيق العدالة في التمثيل .
لكن تلك الكتابات والأصوات لم تلق ما يكفي من اهتمام، ووجِهنا مؤخراً بهبوط حاد في مستوى الخطاب السياسي ، وبمنافسة خطرة من قبل قانون الستين المتواجد في ضمائر غالبية رؤساء الكتل النيابية وفي طليعتهم سعد الحريري ووليد جنبلاط اللذان يخشيان من تمدد المعارضات السياسية الى ساحاتهما المذهبية وبالتالي منافستهم في زعاماتهما المتهاوية.
ومؤخرا بدأ الحديث الجاد عن ضرورة اللجوء الى خيار قانون الستين وعن ضرورة تقصير ولاية المجلس النيابي الممدد لنفسه وبالتالي الذهاب الى اجراء الانتخابات النيابية في مطلع الخريف المقبل.
حسناً، لنفترض أن الإرادة موجودة لاجراء انتخابات نيابية بعد ان كشفت الانتخابات البلدية والاختيارية عن عقم الطبقة الحاكمة ولكن لنذّكر مسؤولينا بمتطلبات ذلك الانتقال الديمقراطي إذا كنا نريده أكثر من حلم صيف وأضغاث أحلام.
أولاً: إن عصب ذلك الانتقال يكمن في وجود قانون انتخاب عادل على اساس النسبية يؤمن صحة التمثيل ويؤسس لتعددية سياسية تحمي ظهر المقاومة وتخفف من حدة الخطاب المذهبي.
.ثانياً: إن الانتقال إلى قانون للانتخابات كهذا يحتاج إلى فكر سياسي جديد يتجنب الجوانب السلبية لعملية التمثيل السياسي وعلى الأخص الحد من هيمنة الاحزاب التقليدية وزعماء الطوائف اصحاب المشاريع الفتنوية وناهبي الاموال العامة والمسؤولين عن افقار اللبنانيين وفساد الدولة ومديونيتها وتقهقرها.
هذا الفكر الوطني يحتاج أن يتعلم الكثير من تجارب الدول المتقدمة التي تتميز بحكم رشيد كفؤ خاضع للمراقبة والمحاسبة وغير موبوء بالفساد والمحسوبية والزبونية والولاءات الفرعية غير الوطنية.
إننا أمام قضية وطنية تحتاج أن يحمل مسؤوليتها الجميع، هذا إن كنا حقاً نريد ألا نلعب في الوقت الضائع من خلال تحسين مظهري في هذه المرحلة الصعبة والمصيرية التي يمر بها البلد.