تمر الذكرى المئة لإتفاقيات سايكس – بيكو (15 أيار 1916) في ظروف وأحداث جديدة تستحضر الماضي بكل ما فيه من خيبات وأحلام تائهة، لكن للذكرى هذه المرة طعم مختلف!، البعض يترحّم على “سايكس – بيكو” والبعض الآخر يحاول أن يقرأ التاريخ بكل موضوعية لعله يقارب اللحظة الراهنة وينظر الى الأفق المأمول بكل حزم وإرادة ويبحث في الفرص الضائعة التي مرّت.
يحاسبنا التاريخ ويحاكم اللحظة الراهنة، أين أصبحنا وأين كان الخطأ المدمر؟ لا يعقل أن يعود بنا التاريخ مائة عام الى الوراء دون أن نقيّم ونستفيد من تجاربه وأحكامه، وعندها فقط نكون قد امتلكنا جدارة الحياة والقدرة على الوفاء بالأعباء والإلتزامات اللاحقة.
نحن أمام خيارات محدودة “نكون أو لا نكون” وأمام عظمة التضحيات ومقاومة الهجمة التي تتعرّض لها أمتنا، يجب أن نكون وكيف نكون؟.
الواقع مرير بكل ما يحتويه من حروب التفتيت والصراعات الطائفية والعرقية التي بدأت تأخذ بعداً مدمراً يطال مستقبل الأجيال، ألم تكن المئة عام الماضية كافية لإستخلاص العبر، خلالها أقام المستعمرون دولة الكيان “إسرائيل” في قلب الوطن العربي، إستنزفت قدرات الأمة ومعول هدم أمام أي نهوض حقيقي، وحارس لمصالح الدول الإستعمارية في منطقتنا.
الأسئلة كثيرة، وطوال المئة عام الماضية، نستعرض العمل العربي المشترك والقضايا الكبرى التي كانت موضوعة على أجندات القمم العربية؟، أين التكامل العربي ونفط العرب وعناوين التضامن الأخوي والمصير المشترك؟.
لا ننكر ما هو إيجابي في تاريخنا العربي، قضية الوحدة العربية وأسباب الإخفاقات والإنتكاسات، وعناوين التجزئة والتخلف والإرتهان لقوى الإستعمار الطامعة في خيارات بلادنا ومقدراتها؟ وجميعها عوامل حاضرة في مكوناتنا الداخلية، وفي اللحظة الراهنة “ربما يتحوّل السيء الذي يسود منطقتنا الى الأسوأ”، نعرف الماضي جيداً، والمخاوف ماثلة والسؤال هل نحن أمام سايكس – بيكو جديد يكون مختلف في الشكل ومتطابق في المضمون، وربما تكون الكارثة أكبر وأشد وقعاً؟
وفي اللحظة الراهنة لم تعد شعارات الوحدة العربية والتضامن على قيد الحياة بل أصبحت عناوين من الماضي، والعناوين المطروحة في التداول أصبحت في المتناول وبشكل عملي وليس في الحسابات النظرية، ربما تُرسم الحدود هذه المرة على أسس أخرى ترتكز على أبعاد طائفية وعرقية وقبلية مقيتة، وهذا إن حصل سيؤسس لكيانات هشة ضعيفة فاقدة لأي قدرة على المواجهة والرفض وما عليها إلا القبول والإذعان، فهي سوف تتسابق لكسب ود القوى الإستعمارية وهمها سيكون الصراع في ما بينها والتسابق للإرتماء في يد القوى تلك والكيان الصهيوني؟!.
وفي مسيرة المئة عام المنصرفة، نفرق بين دول إرتمت أمام الدول الإستعمارية وكانت رهينة الرضى والقبول وتنفيذ الإملاءات وكان العجز حليفها، وقفت ضد إرادة شعوبها وارتبطت بعجلة تلك القوى في سبيل الحفاظ على مصالحها الذاتية الضيقة، لكنها مع الزمن فقدت صلاحيتها وحان تغييرها، وفي المقابل، هناك صفحات مشرقة في تاريخ أمتنا عبّرت عنها قوى المقاومة والمواجهة، كانت نداً قوياً حاولت الحفاظ على مسار تطلعات المواطن العربي، رفضت الخنوع والهزيمة وقاومت بكل ما تملك وقدمت التضحيات، لذلك كانت هدفاً دائماً لقوى الإستعمار والرجعيات العربية التابعة.
لم يكن الإجتياح الأميركي الذي استهدف العراق عام 2003، وليد لحظته يومها، وإنما جزء وحلقة في مسلسل الحروب الأميركية لفرض المشروع الأميركي “الشرق الأوسط الجديد” وإعطاء دور للكيان الصهيوني وتركيا وعلى حساب الثروات العربية وخاصة تلك الموضوعة تحت التصرف الأميركي ونقصد في دول النفط العربي.
الأحداث الجارية في منطقتنا العربية لم تأتِ من فراغ، أعدّ لها جيداً! إتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وغيرها، هي مجرد محطات للتنازل والإرتهان لقوى الإستعمار بأشكاله كافة وخدمة للكيان الصهيوني، لذلك هذه الحالة الراهنة، من حروب الإضعاف والإستنزاف أريد لها أن تفعل فعلها في إضعاف مناعة الدول العربية القائمة كي لا تقوى على المواجهة، وبالتالي هيمنة القوى الإستعمارية على المنطقة وتقاسم النفوذ فيها، أي نحن أمام طبعة جديدة من سايكس – بيكو، لكن مازال الأمل قائماً وهو معقود على قوى المقاومة في أمتنا، وهي الباقية كعنوان وجودنا وحفظ لكرامتنا.