في الرؤى السطحية لا يمكن رصد الوقائع كما هي، إذ يتعذر رسم لوحة كاملة بكل تفاصيلها وتضاريسها ومؤثراتها الداخلية والخارجية، لكن تسلسل الأحداث في منطقة الشرق الأوسط ومنها منطقتنا العربية، ومنذ بداية عام 2011 وحتى اللحظة الراهنة يعطي فرصة لكل متبصر أن يرى حقائق الأمور بكل موضوعية.
وفي التحديد، ما يجري في سوريا ليس أزمة داخلية كما يروج البعض بل هو استهداف خارجي بأدوات محلية وإقليمية، والأهداف سياسية والترجمة استخدام القوة العسكرية وأدوات التخريب عبر إشاعة الأعمال الإرهابية وإثارة حالة من عدم الإستقرار بغية استنزاف القدرات السورية بكافة السبل.
واجهت سوريا الهجمة ضدها بكل قوة ومعها أطراف محور المقاومة وعملت على إفشال ما يدبّر من قبل الأعداء، والمواجهة تمّت بكل السبل العسكرية والسياسية والدبلوماسية وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتطوّرت الأحداث من جنيف الى فيينا ثم جنيف مرة أخرى ومساعٍ روسية ودولية تحت عنوان محادثات غير مباشرة وغيرها، والهدف وأد الهجمة، وإستمر العدوان بعد أن فشل في تحقيق أهدافه وكان هناك فواصل تهدئة لم تستمر.
أدركت القيادة السورية منذ البداية أن الصراع سيطول وهو يستهدف المنطقة وهدفه إعادة رسم خارطتها والسيطرة على مقدراتها والهيمنة عليها الى أجل غير مسمى، والهدف تأمين مصالح الدول الإستعمارية عبر تأمين أمن الكيان الصهيوني وإعطائه دوراً وظيفياً جديداً في المنطقة من خلال تقديم الدعم لقوى الإرهاب والتحالف مع الرجعيات العربية التي تدور في الفلك الأميركي، لذلك تمّ إستهداف سوريا ومعها قوى المقاومة في أمتنا والهدف الآخر تصفية القضية الفلسطينية عبر وصفات جديدة على شاكلة مؤتمرات ودول مانحة والعودة الى معزوفة المفاوضات من جديد بغية إبتزاز تنازلات جديدة تتناسب مع الحالة الراهنة والوضع المتردي واستثمار نتائج الحرب الكونية التي شُنّت ضد سوريا والمقاومة.
وأدركت القيادة السورية وبحكمتها ومن خلال قراءة واعية، أن خارطة الطريق المعدة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هي حمّالة أوجه والهدف الذي تبتغيه قوى العدوان هو تحقيق إنجاز ما عجزوا عن تحقيقه بالوسائل العسكرية، هذا يعني أن التسوية التي تحقق مصالح سوريا وشعبها هي التي تؤدي الى تصفية بؤر الإرهاب على الأرض، لذلك كانت الإنتخابات البرلمانية السورية الأخيرة خطوة هامة وشجاعة تمّت بقرار سيادي، وثبت أن سوريا غير قابلة للتجزئة أو المساومة على جزء من أرضها واستمرت في ملاحقة الإرهابيين على أراضيها، وهي مستعدة لحكومة وحدة وطنية من خلال المسار الذي تخطه قيادتها وعلى أن يكون الحوار “سوري – سوري”، أي أن مصلحة سوريا فوق كل اعتبار.
وأيضاً إستمرت تركيا أردوغان في لعبتها الإرهابية ضد سوريا وشعبها، وواصلت سياسة الإبادة لشعوب المنطقة وهي بذلك تكمل سياسات التطهير العرقي من خلال أقنعة، والمظالم التاريخية التي إرتكبتها لم تردعها لكي تتصالح مع ماضيها وهي تستمر في إرتكاب الجرائم من خلال الأدوات الإرهابية وتقديم شتى أنواع الدعم والبيئة الحاضنة لها والهدف إضعاف دول الجوار ومنها سوريا التي تمّ استهدافها طيلة السنوات الخمس الماضية والدافع هو الطيش وأحلام الإمبراطورية العثمانية، لذلك ترتكب الحماقات وتساعدها في ذلك طغمة من الحكام “العرب” الذين باعوا ضمائرهم وتحولوا الى مجرد مطية لأعداء أمتنا وفي خدمة آلة القتل والإرهاب، تحوّلت المنطقة الى غابة ظلامية للفكر التكفيري الوهابي، وهم بذلك يقدمون خدمة مجانية للصهاينة ويحولون إتجاه الصراع في المنطقة عبر اختلاق عدو وهمي ويستهدفون إيران الداعمة للمقاومة ولحقوق الشعب الفلسطيني وبكافة السبل الممكنة، ويعمل أولئك على وضع مقدرات بلادهم في خدمة أسيادهم في الدول الإستعمارية ويستمرون في إشعال الحرائق في المنطقة.
تحاول تركيا ومَن يتحالف معها من “عرب” النفط والغاز، جر المنطقة الى أتون صراع مستمر يستفيد منه أعداء أمتنا وهذا يلتقي مع الأهداف الصهيونية عبر استخدام الفكر التكفيري كأداة هدم في المنطقة ويتم استهداف الدول المؤمنة بخيار المقاومة سبيلاً لتحرير الأرض من خلال العمل على إضعافها وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والإثنية فيها، وفي الأهداف البعيدة الهيمنة الإقتصادية والسياسية وتفكيك البنى الإجتماعية وتلبية طموحات الدول الإستعمارية والكيان الصهيوني.
وجدت تركيا أردوغان في الأحداث فرصة وتحاول الصيد في هذا الواقع لتحقيق أطماعها التاريخية في سوريا والعراق والمنطقة العربية، ومن خلال سياسة متهورة وعابثة بأمن الدول وشعوب المنطقة ويساعدها في ذلك صيغ طائفية ومذهبية تتغذى بالكراهية والحقد، وتقاطعت مصالحها مع المصالح الضيقة لبعض الدول التي تتغذى بالفكر الوهابي التكفيري.
وليس صدفة أن تتقاطع المصالح التركية مع المصلحة الصهيونية في هذا الوقت وبشكل واضح للغاية، وهي بذلك تترجم تحالفاتها عبر تقديم أوراق إعتمادها للكيان من جديد وتلتقي بذلك مع أدوات القتل والإرهاب، ويجد الكيان الصهيوني ضالته وهو الذي عمل على عسكرة المنطقة واستمرار حروبه، والخاسر الأكبر قضية الشعب الفلسطيني.
إنها لعبة صهيونية – رجعية – عثمانية، فهل نستوعب حقيقة ما يجري في المنطقة؟