خلال مئة عام من الزمن تغيّرت طبيعة الصراع في العالم، لكن محدداته بقيت كما هي، عمليات النهب الإستعماري مستمرة مع تغيّر شكل الإستعمار، وبفعل التطورات والأحداث العالمية والإقليمية، لم تعد إتفاقية سايكس – بيكو ذاك الناظم الثابت الذي يحدد خارطة الأطماع الإستعمارية وتقاسمها.
قامت إمبراطوريات وسقطت أخرى بفعل الحروب والتحولات، لم تبقَ الحرب الباردة الى الأبد في ظل الهيمنة الآحادية الأميركية اللاحقة، ظهر التغول الرأسمالي الأميركي في أبشع صوره وأشكاله من خلال عولمة ظالمة أشاعت الفقر في العالم لصالح الإحتكارات العالمية الكبرى، ووضعت القيم الإنسانية في أسفل سلم أولوياتها، وكانت هناك غزوات وإجتياحات، ومع إزدياد النهب الإستعماري دفعت البشرية أثماناً مضاعفة، وكان الإجتياح الأميركي لأفغانستان والعراق، وتمّ تسخير الإرهاب لتنفيذ مآرب ومن ثمّ محاربته خدمة لمصالح الدول الإستعمارية، في هذه الآونة كانت فكرة الإعتماد على أدوار إقليمية للدول التابعة للعجلة الأميركية والإستعمارية بشكل عام، وتحت مسميات “الإسلام السياسي المعتدل” حيكت خيوط وأعطيت أدوار لدول مثل تركيا وهامش لدول أخرى تعمل في خدمة الأجندة الأميركية، وإتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وما بعدها، لم تكن منفصلة عن النسيج والأجندة الأميركية في منطقتنا العربية، وجميعها صبّت لصالح القاعدة الإستعمارية الأولى في المنطقة الكيان الصهيوني (إسرائيل).
وبتغيّر طبيعة الصراع وأولوياته بفعل عوامل الإضعاف المبرمج لقدرات الدول العربية، حلّ التنافس الإقليمي بين دول المنطقة والسباق على إنتزاع أدوار أكبر تصب في صالح العجلة الأميركية ومشروعها في المنطقة وسُخّرت الإمكانيات النفطية العربية في خدمة المركز الإستعماري في واشنطن بدلاً من المساهمة في مشاريع التنمية والتكامل العربي تلك التي غيّبت تماماً، وتمّ اختلاق إصطفافات مموهة وإثارة صراع ما بين الطوائف وأخرى ما بين المذاهب لإضعاف الدول العربية والسيطرة عليها وصولاً للهيمنة الكاملة.
لم تفاجأ بالحصاد المر بعد هذا الخلل البنيوي والأرضية الهشة وحال الإنقسام السائدة وتنامي ظاهرة الإرهاب في أكبر عملية خلط للأوراق في المنطقة، والكارثة الأكبر هي الإساءة الى أشرف وأطهر ظاهرة في تاريخ أمتنا، إمتدّت الأيدي الآثمة كي تنال من المقاومة ممثلة بـ “حزب الله”، حيث ذهبت طغمة من حكام مجلس التعاون الخليجي بعيداً في ضلالها، وفي الأدوار خدمت الصهاينة على حساب عروبتهم، إتهمت “حزب الله” ووصفته “بالإرهاب” في محاولة بشعة لتزوير الوقائع والأحداث في أن الإرهاب الحقيقي هو الإرهاب الصهيوني والتكفيري وهما وجهان لعملة واحدة، وهو إرهاب الدول الضالعة في التآمر على قضايا الأمة وهو صنيعة الدول الإستعمارية وأدواتها في المنطقة.
إن من مفارقات هذا الزمن، أن تتحول منظمة التعاون الإسلامي التي أنشئت عام 1969 ردّاً على حريق المسجد الأقصى، تحوّلت هذه المنظمة الى أداة بين أعداء أمتنا ومعول هدم في الجسد العربي والإسلامي، وهي تتناسى العدو الصهيوني وتوجه سهامها صوب إيران التي تدعم المقاومة في أمتنا بكل الإمكانيات المتاحة، وهي بذلك تغير إتجاه البوصلة بعيداً عن العدو الصهيوني، وهذه المنظمة تفقد شرعيتها التي أنشئت من أجلها.
فلسطين قضية الأمة، إنه لمؤشر خطير صدور مثل هذه القرارات والإشارات عن منظمة “تعاون”، والسؤال هل إنقلبت المفاهيم لديهم في حضرة السلطان العثماني الجديد أردوغان.
اللعبة أصبحت مكشوفة والصراع مستمر والنصر في النهاية لصالح قضايا الأمة وهي قضايا عادلة تستحق التضحية من أجلها.