المتابع لتحركات حكام عدد من الدول العربية التي إرتبطت بالعجلة الأميركية وتفرعاتها في المنطقة، لا بدّ أن يتوقف عند زيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الى القاهرة، وماهية هذه الزيارة وأبعادها السياسية والاقتصادية، وما هو في المضامين لا نراه ولكن نلمس نتائجه من خلال نظرة أوسع وأشمل لحال المنطقة وجملة الظروف والمقدمات التي سبقت تلك الزيارة.
وموضوعياً، ليس صدفة أن تأتي الزيارة بعد إعلان هدنة في اليمن وحتى لو كانت في الجانب النظري، وفي الجانب العملي وحجم التفاهمات والإتفاقيات والحديث عن الإستثمارات والأحلام الوردية هي مجرد مقدمات المسرحية الأميركية الجديدة في المنطقة، يتم في حبكتها التكامل التام بين المشروع الإقتصادي الذي سوّقه رئيس الكيان الصهيوني السابق شمعون بيريز في تسعينات القرن الماضي في مشروع الشرق الأوسط الجديد الأميركي المصغر حسب الرؤى الأميركية بعد الربيع المزيف الذي حاولوا تسويقه للسيطرة على المنطقة من خلال استخدام “إسرائيل” رأس حربة ودور تركي فاعل في المنطقة بحيث يخدم الأجندة الأميركية بكل أهدافها، أي خريطة جديدة للشرق الأوسط تريد واشنطن من خلالها “ترويض” مصر، وبإختصار هذا يعني بأن الكيان الصهيوني هو صاحب المشروع، وبقرار أميركي ودور سعودي ما، بحيث يأتي كتلبية لرغبات حكام السعودية، أي أن حجم هذا الدور يتمثل في المساعدة على تمرير المشاريع المعدة سلفاً.
وبدا الدور السعودي واضحاً في الحملة الظالمة التي شُنّت على “حزب الله” المقاوم، ووصفه “بالإرهاب” كان بمثابة الدفع مقدماً ويقابلها في الجانب الآخر دعم أميركي جديد لـ “إسرائيل” الكيان الصهيوني، وضمانات على الحساب لتمرير “عملية السلام”، هي وصفة لتصفية القضية الفلسطينية برعاية سعودية، وفي مضمونها الآخر هي تطبيع معلن بين الكيان والسعودية، وضمان دور إقليمي واضح لـ “إسرائيل” وجعلها شريكاً في سوق النفط العالمية!.
وبوضوح، سيكون هناك خط جديد “ترانزيت” بين الخليج وأوروبا كبديل استراتيجي لمرور السفن الواصلة الى السعودية عبر مضيق هرمز، وهذا كله من نتائج إتفاقية “الجسر البري” الذي يحمل أنابيب النفط، ما يعني بأن الحكاية ليست حكاية جسر يستخدم جزيرة تيران لوصل السعودية بمصر، بل هي أبعد من ذلك، أي جعل “إسرائيل” بوابة الشرق الأوسط نحو الغرب.
وفي البعد الإقتصادي والعسكري يتوافق هذا المشروع مع الحلم (المشروع) الذي سوّقه شمعون بيريز مبكراً، مع القبول الإسرائيلي بدولة فلسطينية يتم السيطرة عليها بشكل كامل، أي تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها وتسمح لـ “عرب” أميركا التنصل منها، وهذا يعني أن مهمة الملك سلمان في مصر حققت أهدافها، أو بالأصح حقق “الربيع” الأميركي – الصهيوني أحد أهم أهدافه وهي خطوة ستليها خطوات!.
وبغض النظر عن حالة الجدل المبرمجة، هل جزيرتي “تيران وصنافير” مصريتان أو سعوديتان”؟، أنظروا للمشروع الذي يعد له! والأمر لا يتعلق بالجدوى الإقتصادية بل الى أين سيأخذون مصر؟ والسؤال، هل ما يحصل هروب سعودي الى الأمام والبدء بشكل عملي بتنفيذ الأجندة الأميركية في المنطقة، وعن التوقيت حدث ولا حرج! هناك الحرب التي تُشن على سوريا وعلى المقاومة في أمتنا.
الأمر يتعلق بالكرامة الوطنية والقومية وموقع مصر في معادلات المنطقة، هذا الدور الذي نعول عليه كي تعود مصر رافعة لنهوض أمتها ودور قيادي وسيادي في المنطقة.
كثيرة هي التساؤلات، ما الذي يعنيه “توافق في الرؤى بين مصر والسعودية فيما يخص الملفات الأمنية” بينما أمن سوريا واستقرارها يتم استهدافه منذ خمس سنوات ودور سعودي أساسي في التآمر على سوريا وشعبها!
ويأتيك هناك مَن يدّعي بأن “السعودية تقف الى جانب مصر كي لا تقع”، والسؤال، هل إنقلبت المفاهيم في زمن الردة والهوان؟ أو يأتي أحدهم ويقول: “إنقلبت الصورة الأمنية ومخطط “إسرائيل” الكبرى”.
إنتهى الزمن الأسود، المسرحية مكشوفة، ليس هكذا ننهض بالإقتصاد القومي لمصر؟!