التوافق بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ، لم ينزل على ما تظهره الايام ، برداً وسلاماً، على قلب تيار المستقبل ، واعني هنا الرئيس سعد الحريري تحديدا.
من هنا كانت ردة الفعل، على التفاهم والتوافق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، مرحبة بحذر في الشكل، ومنزعجة في العمق من توصل حزبين يملكان اكثرية مسيحية طاغية في بيئتهما، الى طي صفحة الماضي المؤلمة وتتويجها باعلان نيات بداية، وبتفاهم لاحقاً على تبنّي جعجع ترشح العماد عون الى رئاسة الجمهورية، واستكماله بالتعاون والتحالف، في صياغة القوانين، وخوض الاستحقاقات الدستورية من انتخابات بلدية واختيارية ونيابية، حيث يمكن التعاون والتحالف، والانفتاح على الجميع من دون استثناء او تهميش احد، وقد تم التعبير عن هذا الانزعاج من قبل تيار المستقبل في اكثر من مناسبة واكثر من موقف، الا انه لم يأخذ شكله الواضح الصادم سوى مؤخراً في تصريح لاحدهم انه “يرفض العودة الى المارونية السياسة”!
صحيح ان غالبية اللبنانيين لا يريدون العودة الى هذه الحقبة التاريخية من عم بلدهم ولكن الصحيح ايضا ان احدا من القيادات المسيحية لم يطالب او يدعو الى العودة الى “المارونية السياسية” ، ما يعني ان الهدف من التصريح، كان تعبيراً عن خوف او انزعاج من مطالبة القطبين المسيحيين بتجذير صيغة العيش المشترك واحترام مفهوم الدستور، وتطبيق المندرجات الميثاقية الوطنية في الادارة وفي الرئاسة، وفي الحكومة ومجلس النواب، زكان لافتا موقف مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعارخلال استقبال النائب سليمان فرنجية المرشح من قبل تيار المستقبل الى رئاسة الجمهورية، الذي هاجم مفهوم “المرشح القوي في بيئته” متناسيا بأن هذا المفهوم يعتير بمثابة العرف اللذي يحكم منصب رئاسة مجلس النواب، ورئاسة الحكومة ، زاعما بأن منصب رئاسة الجهمورية هو لجميع اللبنانيين وليس من حق الاكثرية المسيحية ان تختار الرئيس، بل هي شريك مثلها مثل غيرها من الطوائف الاخرى، الامر الذي لم نراه يطبّق ولن يطبّق لدى الشيعة والسنّة، وجميعنا يتذكر عندما سمي نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة بدلاً من سعد الحريري ثارت طرابلس وبيروت والمناطق السنية على هذا الفرض، وكان الشعار وامثاله في طليعة من ثاروا ورفضوا.
لم تكن يوماً المارونية السياسية بالنسبة الى المسيحيين بمثابة خشبة الخلاص، ولم تكن تعبيراً عن طموحهم لنظام اكثر تقدماً وحداثة، ولكن ان يأتي اليوم من ينتقدها في هذا التخلف والرجعية التي يعيشها اللبنانيون، فهذا ظلم وانكار لحقيقة الامور، واذا كان المفتي الشعار وخلفه تيار المستقبل متمسكين بالنائب سليمان فرنجية، مقابل تمسك حزب الله بالعماد ميشال عون، فهذا من ضمن اللعبة السياسية ، ، ولكن لماذا لا يسارع رؤساء الكتل النيابية الى تطبيق اتفاق الطائف، ويذهبون جميعاً الى نظام برلماني ديموقراطي حقيقي وليس صورياً، ونظام مدني خارج القيود والتشريعات الطائفية والمذهبية، وعندها فقط نلعن مع تيار المستقبل المارونية السياسية والسنية السياسية ، ونبني لبنان المدني المؤمن بمعادلة الاكثرية التي تحكم والاقلية التي تعارض.
فهل يتجرأ احدهم على طرح نظام جديد قادر على الاستمرار، والحياة، بدلاً من الانظمة التي جرّبها لبنان منذ الاستقلال حتى اليوم، وكان اسوأها على الاطلاق، نظام اتفاق الطائف، لان ما طبّق منه طبق كيدياً، والصالح منه لم يطبق ولن يطبق بوجود نظام الفوقية والاستبدادية والانانية السياسية الحالي.