اعاد الهجوم “الداعشي” الذي ضرب العاصمة البلجيكية بروكسل تركيزَ البوصلة على الاتحاد الاوروبي عموماً، ما يطرح السؤال، إلى أيّ مدى سيكون القادة الاوروبيين قادرين على مواجهة هذا الارهاب وبالتالي تحمّل تبعاته وتداعياته؟
لا شك إنّ التفجيرات الإرهابية التي ضربت بروكسل وقبلها العاصمة الفرنسية قد فرضت على المجتمع الغربي أن يختار في التعاطي مع الأزمة السورية بين الرئيس السوري بشّار الأسد وبين تنظيم «داعش» وأخواتها، فالأسد بغَضّ النظر عن رأي المسؤولين الغربيين فيه وموقفِهم منه شخصاً ونظاماً، يواجه التنظيمات الارهابية وفي طليعتها «داعش» وغيرَها من هذه التنظيمات المتطرّفة من “جبهة النصرة ” وغيرها من المسمّيات التي تشنّ الحرب عليه منذ الأيام الأولى للأزمة السورية بهدف تفتيت سوريا وضرب منعة الشعب السوري الذي يعاني كل يوم من تداعيات هذا الارهاب التكفيري الذي يحظى بدعم أكثر من دولة غربية وغيرها من البلدان الخليجية التي دعَمته وسلّحَته وسهّلت له الدخولَ إلى سوريا وخوض الحرب على النظام بأعداد بلغَت عشرات الألوف من دول غربية وتركية وخليجية متعددة.
هناك اصوات تعلو داخل الاتحاد الاوروبي وتحمّل الروس مسؤولية استعجالهم بسحب اجزاء من القوة العسكرية الروسية العاملة في سوريا برّاً وبحراً وجوّاً منذ أيلول الماضي، ويرى محللون غربيون ان بوتين ربما يكون قد استعجل بانسحابه الجزئي المفاجئ من سوريا ، وان هناك نصائح بالجملة أسداها له حلفائه في الميدان وعلى المستوى الديبلوماسي، وان كانت هذه النصائح قد ادت إلى التأخير في خطوة هذا الانسحاب إلى مرحلةٍ لاحقة، ولكن يبدو أنّ روسيا الاتحادية أصرّت في النهاية على هذه الخطوة تنفيذاً لقواعد لعبة جديدة، أو ربّما التزاماً لتسوية حصَلت بين كيري – لافروف قد يستفيد منها الحزب الديموقراطي الذي ينتمي أوباما إليه في تنافسه على رئاسة الجمهورية مع الحزب الجمهوري الجاري هذه الأيام في مختلف الولايات الأميركية.
بالمقابل هناك مؤشرات تكشف عن جهود تقوم بها جهات اقليمية ودولية قد تصب في نهاية المطاف على الحد من قدرات “داعش” وبالتالي الى فرملة مشروعه التدميري، ومن هذه المؤشرات التعويل على نتائج اللقاء المقرّر في موسكو بين الرئيس بوتين ووزير الخارجية الاميركي كيري،حيث يُتوخى أن يؤدّي هذا اللقاء بنتائجه إلى إطلاق مفاوضات جنيف بفعالية بين ممثّلي النظام وما يعرف ب “المعارضة” ، لكي يتمّ التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، هذا فضلا عن أهمّية اللقاء الذي سيَعقده بوتين أيضاً مع وليّ عهد أبو ظبي ونائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والتي ستكون الأزمة اليمنية والتحرّك الجاري لإيجاد حلّ سياسي لها المادة الدسمة على طاولة المتحاورين ، دون ان ننسى الحوار الذي يَجري بين النظام السعودي والحوثيين، وفي موازاته هناك طاولة مفاوضات وحوار ستُعقد في الكويت بين طرفَي الأزمة اليمنية برعاية القيادة الكويتية.فيما يدور الحديث عن امكانية انطلاق تواصُل فعلي بين الرياض وطهران، يمكن أن يتوّج بزيارة يقوم بها احد المسؤولين الايرانيين الى المملكة.
وفي انتظار ما ستسفِر عنه هذه المفاوضات واللقاءات، فإنّ الميدان السوري سيَشهد في الأيام القليلة المقبلة مزيداً مِن التقدّم الميداني للجيش العربي السوري وحلفائه، خصوصاً لجهة استعادة السيطرة على مدينة تدمر الأثرية، ومعها نحو 30 ألف كيلومتر مربّع من البادية، أي ثلاثة أضعاف مساحة لبنان.
وفي ضوء كلّ هذه المعطيات يبقى إنجاز الاستحقاق الرئاسي في الثلاجة بانتظار تبلوُر معالم الحلّ السياسي للأزمة السورية والتي يفترض أن تظهر بعد انقضاء المرحلة الأولى التي تدوم 8 أشهر وتنتهي في آب المقبل، حسبما حدّدها قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بهذه الأزمة أواخر العام الماضي، وهذا يعني ان البحث الجدّي في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية لن يحدث في جلسة 18 نيسان المقبل التي حدّدها الرئيس برّي إثر فشلِ مجلس النواب في الانعقاد في الجلسة الـ37 للانتخاب، بسبب عدم توافر النصاب الدستوري والقانوني المطلوب، وهو ما يجعلنا نعتقد بان الفرصة قد أُطيحَت مرة جديدة في سد الشغور الرئاسي قبل دخول المنطقة والعالم في انشغالات ورسم خرائط وسياسات جديدة على مستوى إعادة تركيب الأنظمة ومكافحة الإرهاب على السواء.
واذا كان الربيع الأوروبي بدأ بمجزرة ارهابية ضد البلجيكيين واستنفار أمني غربي واسع، في ظل انتقاد للتراخي الاستخباراتي والأمني في مواجهة شبكات الإرهاب ومعسكراتها التكفيرية في الأحياء والشوارع ، فإن ربيع منطقتنا ينتظر أن يمر باستحقاق أساسي يتعلق بالحرب العالمية المنتظرة على تنظيم «داعش» في سوريا والعراق . ولبنان يفترض أن يكون معنياً بانعكاسات عملية كبيرة بهذا الحجم واحتمال تأثره عسكرياً وأمنياً بما ستنتجه أي ضربات على مسلحي هذا التنظيم الارهابي وارتدادهم على الحدود اللبنانية.