الإعلان الروسي – الأميركي حول وقف الأعمال القتالية في سوريا، والبحث في سبل تطبيق هذا الإعلان، كان موضوع الإتصال الذي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس السوري بشار الأسد يوم 14 آذار الجاري، وفي بيان صدر عن الكرملين: “أن الجانبين أقرا بأن الهدنة أسهمت في تراجع حاد لوتيرة سفك الدماء في سوريا، وتحسن الوضع الإنساني في البلاد، وتهيئة الظروف المواتية لبدء عملية التسوية السياسية للنزاع تحت إشراف الأمم المتحدة”، وذكر البيان أن الرئيس الروسي أقرّ بأن القوات المسلحة الروسية قد نفّذت المهمات الرئيسية التي كلّفت بها، وتمّ الإتفاق على سحب الجزء الأكبر من مجموعة الطيران الحربي الروسي من سوريا، وذلك بهدف مراقبة تنفيذ شروط وقف الأعمال القتالية”.
وفي الوقائع قال الرئيس بوتين: “أنشأنا قوة عسكرية ضاربة في سوريا خلال فترة زمنية قصيرة، وأقمنا نظاماً حديثاً للدفاع الجوي في سوريا لا مثيل له، والجيش السوري وحلفاؤه قلبوا المعادلة ويمسكون زمام المبادرة العسكرية”.
وإذا عدنا بالتاريخ الى الوراء ورصدنا السياسة السورية وثوابتها وما تمثله سوريا من مكانة بارزة بسبب إلتزامها القومي ودورها في مواجهة أعداء الأمة، لأمكن لنا أن نعرف لماذا تمّ إستهداف سوريا خلال السنوات الخمس الماضية، وكيف كان قرارها حازماً في مواجهة الهجمة الشرسة ضدها.
قرار سوريا السيادي ينبع من ثوابتها القومية وهي تدفع ضريبة موقفها وتمسكها بالمبادئ والأهداف، هذا ما جعل منها هدفاً للدول الباغية.
واليوم دخلت سوريا عملية جنيف ومازالت تتمسك بالحوار بين السوريين أنفسهم ومحاربة الإرهاب دون هوادة، وسوريا هذه تمثّل الجزء الهام من منظومة المقاومة في أمتنا، وتتمسك بوحدة أرضها وشعبها في مواجهة الحديث عن تقسيمات “جغرافية ومكونات” يحلو للبعض تسويقها ومثل هذه غير موجودة في قاموس سوريا أصلاً، لأن سوريا سيدة قرارها، ولو أنها تخلّت عن سيادة قرارها لما تعرّضت لهذه الهجمة، والقيادة السورية تتصرف من منظور مصلحة الشعب السوري وضمن الشرعية ومن أجل وقف الحرب ضدها وكي تبقى سوريا حرة ومزدهرة.
وفي الوقائع أيضاً، إن القوة العسكرية التي يملكها الجيش العربي السوري وحلفاؤه قادرة على صد أي عدوان أو هجوم محتمل على المواقع المحررة من سيطرة الإرهابيين، وأصبح الجيش صاحب المبادرة في الهجوم وهذا يعني أن الحرب مستمرة لدحر الإرهاب عن كل شبر من الأرض السورية وبمساعدة الحليف الروسي.
لقد شكّل الدخول الروسي على خط مواجهة الإرهاب في سوريا، عاملاً مساعداً في ترجيح الكفة وإستعادة المبادرة بيد الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض، وتمّ الإستفادة من الضربات الروسية المركزة التي كان لها دور فاعل في إضعاف التكفيريين وإجبارهم على التراجع، وتمّ تحرير مناطق واسعة من قبضة الإرهابيين المدعومين من الخارج ومن دول إقليمية عملت على الإستثمار في الإرهاب.
وتبقى جميع التساؤلات مشروعة حول التطور المتمثل بسحب الجزء الأكبر من القوات الروسية المتواجدة على الأراضي السورية في هذا الوقت بالذات وخاصة مع بدء التفاوض حسب عملية جنيف ومرجعيتها؟.
البعض يرى في ذلك فرصة لتفعيل العمل الدبلوماسي على حساب العمل العسكري، والبعض الآخر يرى فيه نوع من الضغط على كافة الأطراف المتفاوضة على طاولة التفاوض أو على رعاتهم الذين يوجهون من الخارج، وفيه أيضاً رسائل بالغة وعميقة لدول في الجوار الإقليمي، ربما لتهدئة التوتر في المنطقة أو لدفعها للمساهمة في قسطها لمحاربة الإرهاب بفاعلية أكبر، وهي رسالة للدول الغربية لتذكيرها بتداعيات استمرار الأزمة السورية والدفع بإتجاه إيجاد حل جذري لمشكلة اللاجئين الى أوروبا.
والسؤال: على مَن يقع الرهان للخروج من الحالة الراهنة؟
علمتنا التجارب بأن المقاومة هي أقصر الطرق للوصول الى النصر، الإمكانيات والمقدرة جزء، أما الجزء الفاعل فهو ذاك الذي يتعلق بالإرادة والإعتماد على الذات، والأرض يحميها أصحابها، والتاريخ يعلمنا ذلك.
والسؤال أيضاً، هل هناك تقاطع مصالح إقليمية ودولية ستدفع التسوية قدماً في سوريا؟ … سنرى ذلك قريباً.