ماذا جرى في معراب ؟ هل حقاً ان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع أعلن تأييده ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة؟ هل فعلها قائد القوات واحد الاركان الاساسية لقوى 14 آذار ؟ نعم فعلها. و «حيث لا يجرؤ الآخرون»، تجرأ جعجع لأنه «صار لا بد من عملية إنقاذ غير اعتيادية ومهما كان ثمنها»، على حد قوله .
أمس رفع سمير جعجع راية الوفاق المسيحي . ثبّت نفسه رقما صعبا عند للمسيحيين وصانعا للرؤساء بعد ان وضع عون على طريق بعبدا، من دون أن يُدخله إلى القصر.
المشهد أقرب إلى تسلم وتسليم بين عون وصهره . بدا عون كأنه ينهي الفصل الثاني من تسليم التركة. في البدء كان تسليم رئاسة «التيار الوطني الحر» لصهره، واليوم يتسلم الزعامة المسيحية من خصمه التاريخي.
وجعجع، من جهته، لم يقصّر في التأكيد علىاهمية وصول عون الى قصر بعبدا . اصرّ، في مؤتمره الصحافي، في التعامل مع عون كفرصة حقيقية أكثر من تعامله معه كرئيس جمهورية محتمل.
أمسك بيده للصعود معا إلى المنصة ولينزل السلالم. ، وضع يده خلف ظهره وهما يقتربان على الجالسين في المقاعد الأمامية. كان عون عطوفاً. محباً. واثقاً من نفسه ومن اقترابه خطوة أخرى من «كوادر القوات » الذين لا يترك مناسبة إلا ويحيي نضالاتهم.
باختصار، بدا المشهد واضحا : جعجع يرشح عون للرئاسة وعون يقرّ بالزعامة المسيحية لجعجع، والقواتيون والعونيون الذي ملأوا القاعة احتفلوا بالامس بالنصر الذي طال انتظاره. بالنسبة لهم هي ليست مصالحة كمصالحة الجبل، كما وصفتها النائبة ستريدا جعجع. هي أقرب إلى الانتصار المدوي، الذي انتهى بتوقيع عون – جعجع “الوصايا العشر” ل” البرنامج الرئاسي”.
ويؤكد عدد من المراقبين ان “الوصايا العشر” هي بجوهرها أقرب إلى مبادئ «ثورة الأرز» وأدبيات «14 آذار» منها إلى أدبيات «8 آذار» لكن مع ذلك قالها عونامام الحاضرين: كلّ ما أتى على ذكره الدكتور جعجع في كلمته، لا شكّ أنّه في ضميرنا وفي كتابنا، ونحن سنعمل لتحقيقه. وجعجع قال، من جملة ما قاله في كلمته، بـ «بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية» و «ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية في الاتجاهين، وعدم السماح باستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين»، وهما بندان لا ينقصهما سوى اسم الجماعات التكفيرية المسلحة وفي طليعتها “داعش” في متنهما حتى يكتمل الهدف من وجودهما أصلاً.
نعم وافق الطرفان على عشر نقاط كانت خلاصة مناقشات طويلة تولاها امين سر تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز الاعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي.
لكن المحفّز الأول لعملية تخمير الاتفاق لم يكن سوى ترشيح رئيس حزب المستقبل سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية ، فهذا الترشيح هو الذي جعل جعجع يتقدم باتجاه تزكية ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، واعطاه الجرأة لتخطي حليفه “المستقبل” فيما
حافظ على مبادئ «14 آذار» وجعلها «نواة برنامج رئاسي».
بالرغم من كل ذلك، فقد أصرّ جعجع على عدم إظهار ترشيح عون كتحد للحريري بل على العكس. دعا جعجع «جميع الأفرقاء والأحزاب والشخصيات المستقلة إلى الالتفاف حول ترشيح العماد عون، علّنا نخرج من حالة العداء والاحتقان والانقسام التي نحن فيها». وعلى المنوال ذاته، كان عون اكثر وضوحا عندما دعا الى ” أن تتمّ عملية الانتخاب بخير، وسنكون بالطبع غطاءً لجميع اللبنانيين. فنحن لم نتعامل كيدياً مع أحد. عندما كنا في صلب الخصومة السياسية، لم نكن كيديين، فكيف بالأحرى ونحن في ممارسة المسؤولية؟
واذا كان إعلان الترشح لم يكن سوى البداية بالنسبة لعون – جعجع ، ولكن ماذا بالنسبة لبقية الاطراف الاخرى؟ وما هو موقف حزب الله من استمرار فرنجية بترشحه، وما هو موقف الحريري من خطوة جعجع “رأس الحربة” في قوى 14 آذار ؟ وماذا عن جنبلاط المتوتر أيضاً، والذي أعلن أمس أنه سيعقد اجتماعاً لكتلته اليوم لتحديد موقف من الحدث. وقالت مصادر قريبة منه إنه يرى في «اتفاق الموارنة خطراً أكبر من اختلافهم». وتوقّعت المصادر أن يؤجّل الاجتماع بانتظار تبلور صورة أوضح لما جرى.”
الأمر يشبه بالأمر “المستحيل” بالنسبة للكثيرين. وهؤلاء يرون أنه في ذروة الخلاف السعودي ـ الإيراني يصعب البت بموضوع الشغور الرئاسي. فالرئاسة برأيهم يجب أن تكون ضمن سلة تفاهمات، تبدأ بقانون الانتخاب ولا تنتهي بتحرير السلطة التنفيذية من قبضة «المستقبل».
وإذا كان فرنجية قد زار الراعي ليلاً، فقد كانت بكركي نفسها محطة لكثر من المدعوين إلى “عرس معراب” أو إلى الساعين إلى عرقلته، ولأن فؤاد السنيورة من الفئة الثانية، فقد زار بكركي لاستكمال مسعىً كان «المستقبل» قد بدأه لترتيب زيارة فرنجية إلى الفاتيكان ولقاء البابا.
وعليه هل تكون جلسة 8 شباط لانتخاب الرئيس مفصلية وعندها تتحقق مقولة الجنرال عون بأنه غير مستعد إلى النزول إلى المجلس للتنافس مع أحد.. إما يكون المرشح الوحيد أو يقاطع الجلسة؟