انتظر الايرانيون طويلاً سماع خبر إلغاء العقوبات الاقتصادية عن البلاد بعد سنين طويلة من الحصار الاميركي والغربي على بلدهم ، وهو ما تحقق اليوم بالفعل معيداً أجواء الفرحة إلى الشارع الإيراني والتي كانت قد سادت مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني قبل أشهر.
لكن ردود الفعل الإيجابية في الداخل الإيراني والتي عبّر عنها الرئيس حسن روحاني أمس الذي اعتبر ان الاتفاق النووي مع القوى العالمية يمثل «صفحة ذهبية» في تاريخ إيران، متطلعا إلى مستقبل اقتصادي أقل اعتماداً على النفط، مع خروج البلاد من سنوات طويلة من العقوبات والعزلة،
ترافقت مع تخوّف من ضغوط وعقوبات جديدة على إيران، خصوصاً بعد كلام رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي واصل التحذير من مخاطر النووي الإيراني وكلامه عن أن طهران تريد “القضاء” على إسرائيل و”غزو الشرق الأوسط”، فيما جاءت تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس الأحد لتشيد بـ “التقدم التاريخي” الذي تحقق بفضل الدبلوماسية الأميركية، لكنه شدد في الوقت نفسه على “الخلافات العميقة” التي لا تزال قائمة بين واشنطن وطهران.
بالمقابل أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني ونظيرها الايراني محمد جواد ظريف في فيينا ان المجتمع الدولي رفع كل العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالبرنامج النووي لطهران، وذلك تنفيذا للاتفاق النووي الذي وقع في 14 يوليو 2015. وقالت موغيريني وظريف في بيان مشترك «بعدما أوفت ايران بالتزاماتها، سيتم اليوم رفع العقوبات الاقتصادية والمالية الوطنية والمتعددة الطرف المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني».
وفي خطوة مؤثرة تزامنت مع رفع العقوبات، أعلنت طهران إطلاق سراح خمسة أميركيين منهم جيسون رضائيان مراسل صحيفة واشنطن بوست، في إطار اتفاق لتبادل السجناء مع الولايات المتحدة.
كل هذا يجعل إيران تتحضّر للمرحلة المقبلة، التي يعدّ الاقتصاد على رأس ملفاتها، ومن كل التصريحات الرسمية يبدو واضحاً أن البلاد تسعى لتطوير قطاع الطاقة بالذات، فالنفط والغاز والصناعات البتروكمياوية مغرية كثيراً للمستثمرين الأجانب، كما أن عائدات هذا القطاع من جهة ثانية قد تنتشل الإيرانيين من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أثقلت كاهلهم طيلة سنوات الحظر الفائتة.
لا شك ان رفع العقوبات ولو بالشكل التدريجي كما جاء في بنود الاتفاق سينعكس إيجابا على حياة الايرانيين اليومية وعلى اقتصاد بلادهم وهذا ما يصبو اليه الشعب الإيراني الآن، معتبرين بأن هذا الاتفاق يشكل خشبة الخلاص التي تنقذهم من الهلاك ,
وعليه يمكن فهم الفرحة العارمة التي عبر عنها الشعب الإيراني بإزاحة كاهل العقوبات الثقيل عن اكتافه، واما ما لا يمكن فهمه على الاطلاق هو هذا الشعور بالحزن الذي عم العربان ، بالخصوص تحت ظل ما تعيشه الامة من أزمات على كل المستويات ابتداءا من النيران الدموية المتنقلة في كل من سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وصولا الى الشق الاقتصادي المتردي بعد استمرار انخفاض اسعار النفط وتراجع البورصات الخليجية ، هذا فضلا عن النار التكفيرية التي تزداد شراراتها على ايدي “الدواعش” اقترابا منا وما يحكى الان عن حشود غير مسبوقة للجماعات التكفيرية تحضيرا لمعركة القلمون وما لا يعد ولا يحصى من أزمات.
في خضم كل هذا الوضع المزري للعرب ، يخرج البعض ليحذر من هذا الانجاز التاريخي على الرغم من ان هذا الاتفاق ستكون له تداعيات إيجابية على بلادنا ومجتمعنا واوضاعنا اقله بالمدى المنظور. وكأن جماعة العربان قد ارتضوا بان يكونوا ليسوا مجرد ادوات للمشروع الاميركي ، بل اكثر من ذلك فقد ارتضوا لانفسهم ان يتحولوا الى مجرد مرتزقة لا قيمة لها وبان يرهنوا انفسهم وبلادهم لتحقيق مصالح خارجية صغيرة.
ولأن المنطق السليم في هذه اللحظة كان يجب ان يتبلور عند هؤلاء العربان لو كانوا حقا أصحاب مشروع او ان الاميركي يتطلع لهم ليس كموظفين عنده بسؤال كبير الى حد الاستهجان والاستنكار والدهشة يوجهه هؤلاء الى سيدهمالاميركي : لقد تصالحتم مع “محور الشر” وتحقق له الانتصار ، فماذا عنا؟
لقد انتهت اللعبة بانتصار دبلوماسية القوة التي تنهجها الجمهورية الاسلامية في ايران ولكن ما هي آثار ذلك على توازن الرعب في الشرق الأوسط؟وماذا سيحدث الآن، بعد رفع العقوبات؟
على اية حال فان رفع العقوبات عن إيران، على الأقل ما تتصل بشكل مباشر باقتصادها، سوف يؤدي لقلق كبير في “إسرائيل”، إذ بات من الواضح أن إيران ستتمكن من زيادة المساعدات لحزب الله، واليمنيين والنظام السوري وذلك يكفي لإحداث هزات في توازن الرعب بالشرق الأوسط ، وفي ظل الحديث أيضا عن أن إيران ستبتاع سلاحا من روسيا، وفي موسكو يتحدثون عن اتفاق بالمليارات حول صفقات السلاح.
هذا ما حدث وهذا ما سيحدث أيضا. والنتيجة أن رفع العقوبات سوف يؤدي للإضرار بشكل كبير بالأمن القومي “لاسرائيل”.