في أبعاد الحرب التي تدور رحاها في منطقة الشرق الأوسط منذ خمس سنوات وتحديداً منذ أن بدأ العام 2011، هي حرب بين مشروعين متناقضين، أحدهما الأميركي ومعه دول الغرب الإستعماري وبعض الأدوات الإقليمية وما تمّ تسخيره وتسليحه من أدوات من عصابات القتل والتدمير، واستخدمت ذرائع شتى لتمويه ما يجري وتحت شعارات تتغنّى بالحرية والعدالة الإجتماعية بينما هي في حقيقتها ترجمة حرفية للمشروع الأميركي المسمى الشرق الأوسط الجديد، وفي مثل هذه الحالة تمّ دعم قوى الإرهاب وخاصة التكفيري منه ليعم المنطقة بأسرها، والمشروع الآخر هو المشروع النقيض تماماً ويمثليه محور المقاومة في أمتنا ومعه الدول الكبرى التواقة للخلاص من الآحادية القطبية الأميركية (روسيا والصين وجميع الدول التي تناهض الهيمنة الأميركية).
وأثبتت الوقائع، أن سوريا كانت محل استهداف دائم من قبل قوى الهيمنة الأميركية لأكثر من سبب، فهي الحلقة المركزية الصلبة لقوى المقاومة في أمتنا والتي وقفت سداً منيعاً في مواجهة المشروع الأميركي وأداته الصهيونية في المنطقة ودعمت بكل ما تملك خيار المقاومة، لذلك لم نفاجأ بحجم الهجمة الشرسة التي تعرضت لها سوريا ومعها قوى المقاومة في أمتنا.
وفي حصيلة وحصاد السنوات الخمس الماضية، صمدت سوريا وقاومت الحرب التي تشن عليها وهي تحقق الإنتصارات وأفشلت المشروع المعادي الذي لم يحقق أي من أهدافه، واستطاعت إيران أن تحقق إنجازاً استراتيجياً بإنتزاع حقوقها النووية وبدأت بفك الحصار المفروض عليها منذ عقود وهي تخطو بثبات للقيام بدور مركزي هام في المنطقة بإعتراف العالم أجمع، وبالتالي استطاعت سوريا وإيران ومعهما قوى المقاومة في أمتنا وخاصة ما يمثله “حزب الله” من حالة واعدة أثبتت حضورها الفاعل في الميدان في مواجهة أعداء أمتنا في المنطقة، وحققت إنتصارات هامة سيكون لها ما بعدها، وفي ضوء هذه الوقائع والإنتصارات التي غيّرت المعادلة في المنطقة وأثّرت في التوازنات الدولية، كان الحضور الروسي القوي في المنطقة الذي جاء ليعزز الإنجازات ويثبت بأن الحليف الذي يمكن الإعتماد عليه وهذا يتوافق مع مصلحة حلفائه.
وعندما أيقن الأميركي ومَن معه بأن الخسارة مؤكدة وبأن عليه الحفاظ على مصالحه، بدأ التفاهم مع الجانب الروسي لرسم خريطة طريق للخروج من الحالة الراهنة، عندها بدأت عملية خلط الأوراق في المنطقة من جديد عبر أدوات المشروع الأميركي، وسيسجل التاريخ بأن الحرب السعودية على اليمن، من بين أهدافها التغطية على فشل المشروع ونقل الأنظار الى جهة أخرى وتغيير إتجاه البوصلة نحو إيران للقيام بدور جديد ليس من بين أهدافه القضية الفلسطينية أو القضايا العربية وإنما تقديم الخدمات لأصحاب المشروع للحصول على دور ما مقابل الإرتهان التام.
لذلك تتكاثر الأحلاف وهي مجرد عناوين واهية، بدأت “بالتحالف الغربي – العربي” لمحاربة الإرهاب والهدف كان التعمية على حقيقة ما يجري ومحاولة لكسب الوقت، والإستمرار في دعم الإرهاب، وتحالف عربي وإسلامي للتغطية على الفشل مرة أخرى في اليمن، ثم خلط الأوراق من جديد وسمعنا معزوفة جديدة “إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا”، تمّ تسويقها عشية تشكيل “التحالف الإسلامي” وهي تعني دق طبول الحرب وإثارة التعرات المذهبية والصراع الطائفي في المنطقة وهم يؤكدون “بأن الجميع أصبح في خضم هذا الصراع”.
والملاحظ أيضاً، الإنتقادات التي وجهتها وسائل إعلام سعودية للرئيس الأميركي باراك أوباما، لا بدّ من معرفة أسبابها ودوافعها، في شهر أيار 2015 إلتقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري في باريس وزراء خارجية دول الخليج الذين طلبوا إيجاد حلول لحربي اليمن وسوريا، وكان اقتراحهم بالنسبة لليمن ضرورة حسم الأوضاع بمساعدة أميركية للعودة الى المعادلة التي كانت سائدة هناك قبل أحداث اليمن، وبالنسبة لسوريا اقترحوا إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا وتقديم الدعم العسكري الوازن للمسلحين من العصابات تحت مسمى معارضة معتدلة ومطالب أخرى!.
وكان الرد الأميركي مخيباً لآمال وزراء خارجية دول الخليج، وأبلغهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري حرفياً بأنه “يحبّذ مشاركة إيران في المفاوضات المتعلقة باليمن والعراق ولبنان”، وقال لهم وبدقة “بأن إيران تُمسك بمفاتيح استراتيجية لثلاث دول إقليمية”.
وتؤكّد صحف أميركية “أن الرفض الأميركي لإقتراح وزراء دول الخليج جاء بعد رفض الرئيس أوباما إقتراحاً تقدمت به دول الخليج يقضي “بإقامة حلف دفاعي مع الولايات المتحدة، والهدف منه وضع حد للدور الإيراني في المنطقة”، وعلى أثر الرفض الأميركي، أنشأت السعودية ما يسمى التحالف الإسلامي العسكري وخطت خطوة للتعاون مع تركيا.
وبينما تتخوف الدول الكبرى من إنعكاسات التوتر المذهبي في المنطقة على مصالحها، تندفع السعودية الى الأمام، هذا ما جعل الجامعة العربية ترى “بأن مبادرة حل الأزمة السورية طويت”.
وفي آخر تطور، تم تشكيل مجلس أعلى للتعاون الإستراتيجي بين السعودية وتركيا، والسؤال ما الذي يدعو إليه مثل هذا المجلس الذي يشمل المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية؟
وفي وقائع الأمور، يواجه الجانبان أزمة، السعودية فشلت في حربها على اليمن، ومصر وباكستان لم تنجرا الى الحرب، والتحالف الإسلامي الأخير ليس هناك من دول وازنة فيه وهو تحالف معنوي كما يبدو، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وفي المأزق السعودي لا تبدو التطورات الميدانية في مصلحتها أو لمصلحة مَن راهنت عليهم من مسلحي ما يسمى معارضة، وفي المجال السياسي، لم ترحب السعودية بمقررات مؤتمر فيينا ولا قرار مجلس الأمن رقم 2254 لأنها لا تلبي رغباتها وأوهامها في سوريا، لذلك فضّلت الهروب الى الأمام بتوثيق علاقاتها مع تركيا، عسى أن تقدم لها خدمات في سوريا، لكن مثل هذا الإحتمال يبدو مستحيلاً، لأن المجموعات المسلحة التي تدعمها تركيا في حالة إنهيار تام وهناك روسيا في المنطقة، وتركيا في عزلة وفضّلت الإنفتاح على “إسرائيل”، الكيان الصهيوني، وبدأت اللعب على المكشوف، لذلك ما هو المتوقع من تحالف كهذا، إلا مزيداً من الفشل؟!