هل كان الاحتقان الطائفي والمذهبي في منطقتنا العربية موجوداً قبل خمس سنوات، أم أن ما سمي ب”الربيع العربي” كان الشرارة التي أشعلته؟ أم أن التموضع الطائفي والمذهبي لم يكن متغلغلاً، و”الربيع العربي” هو الذي اوجده على امر الواقع وجذّره على الساحات العربية؟
قبل خمس سنوات لم تكن المحطات الاعلامية في الدول العربية تستخدم مصطلحات مثل السنة، الشيعة،الموارنة ،الأرثودكس، الكاثوليك، العلوية، الأباضية، الأزيدية، الدروز، الوهابية وغيرها إلا في ما ندر، وجاءت الجماعات التكفيرية المسلحة لتشعل هذه الحرب، فأعلنت حرباً ضد المسلمين والمسيحيين ولم تأت على ذكر بني صهيون مطلقاً حتى هذه اللحظة الذين يمارسون ابشع انواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني المقاوم.
وليس بعيدا عن اعلامنا العربي فانه حتى الإعلام الغربي بدأ يصنف الدول العربية والجماعات والفصائل والسياسيين ضمن مذاهب، ولا يذكر اسم سياسيّ أو جماعة حتى يلحقها بمذهب، ولا نستبعد هنا سوء النوايا، تمهيداً لتفتيت الوطن العربي وفق خطة في أذهان المحور الاميركي – الغربي- الخليجي – التركي وفق الدين والمذهب، ووفق مشاريعهم التفتيتية المرسومة ، فإن دولاً شيعية وسنية وعلوية وكردية ودرزية ستنشأ على أراض معيّنة، وإن دولاً أخرى ستنشأ وفق العرق واللغة، وهذا ما يحدد غزواتهم هنا أو هناك، من خلال تدريب جماعات تكفيرية ومتطرفةويموّهون الأمر بمصطلحات فضفاضة مثل الاعتدال والديمقراطية وحقوق الانسان وغيره.
ويبدو أن هذا المشروع التدميري قد نجح في ساحات عديدة، ففي العراق وبعد سقوط نظام صدام حسين، وضعت الاطراف الغربية ثقلها لتشكيل حكومات تحمل بذور الصراع المذهبي والطائفي، ثم تركت الساحة لتنظيم “القاعدة” الذي قتل ودمر وحرق، حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه، فمن خلال مؤامرة معروفة النتائج والاهداف تم احتلال مدينة كبيرة مثل الموصل من قبل جماعة «داعش» إضافة إلى مدن أخرى، ليُظهروا أن الصراع في العراق هو صراع مذهبي بين السنة والشيعة!
الفرز الأخطر تجاوز التنظيمات إلى الدول، فالدول أصبحت تنادي بحماية السنة هنا أو حماية الشيعة هناك، وكأن التقسيم السياسي للدول لم يعد بناء على الحدود الجغرافية، وإنما وفق المذاهب، وسيادة كل دولة، نتيجة لهذه الممارسات، ستمتد إلى مواطنين في دول أخرى يعتنقون مذاهب معينة.
إن هذا التوجه يضع مفهوم المواطنة على المحك، ، بل إن العالم سينقسم وفق المذاهب والطوائف والاعراق والأديان، وفي هذه الحالة، ستكون المواطنة محكومة بالدين أو المذهب، ويصبح من المحتم أن يعيش كل معتنقي مذهب محدد في دولة واحدة، أي أن يتم إعادة تقسيم الجغرافيا والخريطة السياسية العالمية وفق الدين والمذهب، وهو أمر مستحيل ولا يمكن أن يُلتفت إليه أو حتى مجرد مناقشته.
وفي الحقيقة، إن الطائفية اوالمذهبية ليست هي الدافع وراء الصدام الواقع اليوم بين الدول في منطقتنا العربية والاسلامية ، وليس الدين هو الدافع أيضاً. فالكيان الغاصب في فلسطين المحتلة يجهد حاليا واكثر من اي وقت مضى لتوظيف اليهودية بهدف شرعنة احتلاله لفلسطين، وهويسعى في كل مناسبة، وضمن استراتيجية تدميرية بعيدة المدى لتهويد فلسطين وتدنيس مقدساتها، أي أن تصبح فلسطين يهودية، وهذا يعني تنفيذ سياسات الترانسفير والتهجير للمسلمين والمسيحيين الفلسطينيين من فلسطين
وربما تكون تركيا أيضاً تتصرف بدوافع مذهبية، فالمذهب غالباً ما يكون وسيلة للتدخل في شؤون الدول، وتنفيذ أجندة تتضمن طموحات تاريخية وجغرافية كبيرة، وللسيطرة على مناطق عازلة ,والتحكم بممرات استراتيجية عالمية لإعادة إمبراطورية عفا عليها الزمن، شأنها شأن الإمبراطوريات القديمة البائدة.
لقد انتهى عصر الإمبراطوريات بمعناه التقليدي ، الذي تحاول تطبيقه السياسة الاردوغانية في تركيا على سبيل المثال، ونشأت إمبراطوريات أخرى تستخدم الاقتصاد والتكنولوجيا ، وليس الجيوش فحسب لتوسيع النفوذ وخلق أسواق جديدة، وأي محاولة لإعادة الأسلوب القديم في نشوء الإمبراطوريات، هو مغامرة مهلكة لصاحب المحاولة وللأرض المقصودة.
بناء عليه على كل دول العالم الغربي احترام سيادة الدول ، خاصة في منطقتنا العربية ، التي تعاني من تنامي التمركز خلف الدين والطائفة والمذاهب، وأن تلتزم بمفهوم عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، حتى لا تختلط الأوراق وتؤدي إلى كوارث، فاللعب بأوراق المذاهب والطوائف والديانات سيقود إلى تأجيج الصراع، وإذا كان السياسيون يعرفون أن الغايات تكمن في الطموحات السياسية، فإن المواطن العادي لا يدرك هذا، ويعتقد أن الصراع هو حقيقة بين المذاهب.وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.