من السهل أن تعمل بعض الأطراف الدولية على إشاعة أجواء معينة من خلال ما تتحدث به عن تغيير سياسي قريب في المنطقة، والجانب الأميركي يروج لمثل هذا، وفي وقائع الأمور هناك أشياء مختلفة ومازال الميدان يقول كلمته بالنار، ولن تنطلي الخديعة التي تتحدث عن عملية إنتقال سياسي يترافق مع وقف إطلاق النار خلال فترة زمنية معينة.
وبعد أحداث باريس الأخيرة وما شهدته من إرهاب، تعمل القوى الأميركية ومَن معها لتوظيف واستثمار ما حدث تحت قيام “تحالف عالمي لسحق داعش” والسؤال، ما الذي فعله “التحالف الدولي” لمحاربة “داعش” خلال أكثر من عام، في وقت يستمر فيه هذا التحالف بتسليح المجموعات الإرهابية المنضوية تحت العباءة الأميركية؟ والسؤال أيضاً، ما هو الهدف الأميركي من وراء ذلك؟ وما الذي تريده الولايات المتحدة بعد أن قدمت الأسلحة الفتاكة الى ما تسميها معارضة معتدلة، وهي في الوقت ذاته تعمل على زيادة المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني “إسرائيل” والذي هو جزء من البنية التحتية الأمنية لواشنطن في المنطقة؟ وما قاله أوباما لنتنياهو مؤخراً “نعمل معاً ضد الإرهاب” ودان تصدي الفلسطينيين لجنود الإحتلال.
أحداث السنوات الماضية ومفاعيلها قدمت خدمة كبيرة للكيان الصهيوني من خلال تسعير الحروب الأهلية في المنطقة وتفكيك وإضعاف الدولة وهو ما تراه “إسرائيل” فرصة لإستكمال ما بدأته واشنطن في العراق عام 2003.
وما جرى في فيينا من قواسم مشتركة هو مجرد عروض وهي قابلة للتأويل والتفسير وربما الخلاف والاختلاف بإنتظار نتائج الميدان. وفي الإيجابيات، جرى الحديث على أن العملية السياسية أو المسار ستكون تفاصيله بقيادة سوريا.
ومن جهة أخرى، وبعد أن فشلت الأطراف الإقليمية التي لعبت من خلال بعض أدوات سورية، أعلنت تلك الأطراف ومنها الإدارة الأميركية “أن لا حل إلا الحل السياسي”، ومثل هذا الأمر يجب ألا يؤخذ بشكلياته بل بمضامينه، حيث لا مصلحة أميركية في حل سريع، ولكن على قاعدة استنزاف المتحاربين وتغليب المصلحة الأميركية.
من هنا جاء الحضور الأميركي في اجتماعات فيينا الأخيرة، في ظل الموازين الجديدة، والمطلوب منه تقديم تنازلات بعد فشله في صناعة ما يسمى معارضة معتدلة وانكشاف مدى هذا الزيف، الإستمرار في عملية فيينا، للقول، إن قطار الحل السياسي على السكة للتغطية على الفشل، بينما الصراع مازال مستمراً وهو في ذروته.
العامل الأساسي الذي يؤكّد فشل المشروع الأميركي ومَن معه، هو التواجد الروسي الفاعل في المنطقة، لذلك يعمل الجانب الأميركي على تحقيق إنجاز من خلال المفاوضات، وهو لن يستطيع أن يحقق شيئاً بعد أن أثبت الميدان بأنه صاحب الكلمة الفصل، وأصبح الوقت لا يلعب لصالح الأميركي وأدواته.
ما تشهده سوريا حالياً، هو حرب بالوكالة على حد تعبير “ديفيد أغناتيوس” في صحيفة “الواشنطن بوست”: “حرب بين الأطراف المتنازعة، ومواجهات عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة”، حيث تستهدف المقاتلات الروسية مواقع “داعش” ومواقع أخرى تعود الى مقاتلين تعلن المصادر الأميركية أنها تتولى تدريبهم.
وفي إيجابيات ما صدر عن اجتماع فيينا، هناك عبارات تستخدم للمرة الأولى مثل “وحدة سوريا واستقلال وسيادة أراضيها وهويتها العلمانية أمر أساسي، وأهمية الإبقاء والحفاظ على المؤسسات الدستورية، وضرورة حماية حقوق السوريين بغض النظر عن إنتماءاتهم العرقية أو الدينية”.
لذلك مطلوب ترجمة فعلية لمواقف الأطراف الدولية والإقليمية وترتيب الأولويات التي تبدأ بالحرب على الإرهاب ووقف الدعم الذي تقدمه بعض الأطراف للإرهابيين تحت مسميات مختلفة.
سوريا ثابتة في مواقفها وخياراتها، وهي تثبت صوابية مسارها السياسي الذي يبدأ بأولوية الحرب على الإرهاب، وأيضاً ليس هناك من مرحلة إنتقالية بل حكومة وحدة وطنية يصدر مرسومها الرئيس بشار الأسد ولا تضم أي إرهابي، والإنتخابات النيابية لها الأولوية وستحصل قبل موعدها إذا أتّفق على دستور جديد وإلا ستحصل وفقاً للدستور القائم، وبالنسبة لوقف إطلاق النار، إذا حصل، لا يشمل كل مَن يصنف إرهابي، وهذا من شأنه أن ينتزع أدوات العدوان ويجردها من سلاحها.
الحرب في المنطقة وفي مفهومها الواسع، هي حرب بين مشروعين: محور المقاومة المتحالف مع روسيا من جهة، ومحور أميركا ومَن معها الذي يهدف الى حماية “إسرائيل”، لذلك ليس في عقيدة أدواته “المعارضة”، ما يدعو لمحاربة هذا الكيان المحتل، لذلك يصرّ رئيس حكومة العدو نتنياهو على رفض أي حل لا يضمن ضعف النظام الجديد ويكبّله بإتفاق على عدم مهاجمة “إسرائيل”، وتفكيك محور القاومة، وتعبّر الولايات المتحدة عن استعدادها لذلك من خلال إشعال المزيد من الحروب وهي تجارة واشنطن الرائجة في موسم القحط العربي.
بالتأكيد الصراع والمقاومة في مواجهة تلك المشاريع مستمر ولن ينتهي إلا بانتصار القضايا العادلة وهزيمة كل المشاريع التي تستهدف أمتنا.