الحدث الأبرز على مستوى العالم بأسره هو دخول روسيا الى ساحة الصراع في منطقة الشرق الأوسط ومن البوابة السورية، ليس أمراً اعتيادياً أن ترى الأبصار شاخصة الى هذا الحدث لما له من تأثير على مستقبل المنطقة ومن تداعيات ستطال تأثيراتها كل بقاع المعمورة لعقود طويلة.
ويصف الخبراء الحراك العسكري الروسي في سوريا بأنه يمثل أحد أكثر الخطوات العسكرية جرأة منذ عام 1945، وهو يعني في أبعاده، بأن روسيا “تتسلم مسؤولية محاربة التطرف الذي أنهك الولايات المتحدة”، والأهم يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن محاربة الإرهاب “الداعشي” قضية وجودية لروسيا، وبالتأكيد إن تولي روسيا هذا الدور يعني تغيّراً جوهرياً في العلاقات بين القوى داخل الشرق الأوسط، ما يعني أن روسيا أصبحت حامية للشرق الأوسط ولأوروبا المتخوفة من الإرهاب واللاجئين وإمدادات الطاقة.
بدأ الرئيس بوتين أولى خطواته واختار الزمان والمكان، ومن قلب المنطقة التي هي الأهم في العالم، وما أجمل الإقدام عندما يتراجع الآخرون، وهو الحقيقة التي تعطي قوة دافعة وتغذي الأمل وتؤكّد حتمية الإنتصار، أعلنت روسيا الإستجابة للطلب السوري بتقديم مساعدة عسكرية ميدانية في مواجهة الإرهاب، ومن غرفة عمليات مشتركة بدأ التنسيق وكانت العمليات العسكرية الصاعقة ومن خلال منظومة عسكرية متكاملة يديرها تحالف جدي لمحاربة الإرهاب، وفي الأساس محور المقاومة الذي هيأ كل ما يلزم لتكون روسيا شريكاً مميزاً فاعلاً في المعركة الدفاعية في مواجهة الخطر الإرهابي والخطة الأميركية القائمة على قاعدة حرب الإستنزاف.
وأرادها الرئيس بوتين أن تكون مفاجأة استراتيجية من العيار الثقيل ومفاعيلها تفضح الأدوار الأميركية وتلك التابعة التي استثمرت في الإرهاب، ودخل الحلف المتشكّل الحرب وهدفه اجتثاث الإرهاب وبداية النهاية لسقوط المشروع الصهيو- أميركي الذي يستثمر به.
وعظمة الرؤية الروسية هي في قدرتها وامتلاكها الرؤية الصائبة وهي مَن يعرف الحقيقة السورية ومدى حكمة وشجاعة القيادة السورية على مواجهة التحديات، هذه العوامل شكّلت مساراً واضحاً لبداية تغيير المعادلات في المنطقة.
روسيا تقوم بحرب دفاعية من خلال وقوفها الى جانب سوريا في تحالف راسخ، وهي تدافع عن سوريا بقدر دفاعها عن نفسها، وروسيا بذلك فضحت أوهام أعداء سوريا الذين نظروا إليها على أنها مجرد أنبوب نفط بين قطر وتركيا الى أوروبا، وهي حرب وقائية أيضاً هدفها أن لا يعود الإرهاب الى روسيا بعد هزيمته في سوريا.
وهناك وجه آخر لما تقوم به روسيا من إرسال رسائل صاروخية من بحر قزوين لكل من قطر والسعودية، أن بوسعنا وصولكم إن لم توقفوا دوركم الإرهابي ضد روسيا نفسها.
وأثبتت الأحداث أهمية الدور الروسي ومضمونه، إن على مستوى المنطقة والعالم في محاربة الإرهاب والحفاظ على السلم العالمي بما يتناسب مع القوانين الدولية، وروسيا تتحمّل دورها ومسؤوليتها بكل جدارة، لذلك جاءت الى سوريا من موقع القوة ودفاعاً عن الحق والعدل وحماية للقضايا المشتركة بين البلدين.
من هنا كانت زيارة الرئيس بشار الأسد الى موسكو وأهميتها في توقيتها وإطارها ومكانها، قمة على مستوى التصورات والوقائع ورسالة قوية بإمتياز مفادها، روسيا مع خيار الشعب السوري ومَن لا يفهم عليه أن يفهم ويثق بأن خيارات روسيا واضحة بأن الرئيس بشار الأسد هو رجل المرحلة والمراحل اللاحقة، وروسيا لا تفاوض وتعقد الصفقات على حساب حلفائها، يحق لروسيا ما لا يحق لغيرها والرئيس فلاديمير بوتين هو رجل العالم وسيسجل له التاريخ أروع صفحات المجد والعزة ومساهمته في هزيمة الإرهاب وحماية العالم من شروره.
إنه التحدي الأكبر عند روسيا، وساحته بالضرورة سوريا التي ستكشف بالقريب العاجل مدى نجاعة رؤية بوتين كبوصلة هادية في لحظة قادمة. إنها لحظة النصر الآتية على وقع هدير المقاتلات الجوية الروسية والدفاعات الأرضية والأنظمة الصاروخية في مواجهة طموحات الإمبراطورية الأميركية التي تتستّر برداء “داعش” و” النصرة” وغيرها من الجماعات التكفيرية التي تشكل تهديداً للبشرية جمعاء، والتي تنظر لنفسها بحسبانها “قضية” و”هدف” ولا تعترف بالدول العربية ككيانات ذات سيادة واستقلال، وإنما كولايات متعددة يمكن اللجوء إليها وقت الحاجة من أجل شن حروب تكفيرية وإغراق الساحات العربية بأبشع أنواع القتل والتنكيل والإجرام.
إن رؤية بوتين وفلسفته تفيد ولا شك في إدراك كنه المسار الذي أوصلنا الى اللحظة الحالية من عمر الإمبراطورية الأميركية، إنه مستقبل العالم الذي ترسم خيوطه من صقيع موسكو العائدة الى التاريخ بقوة الجغرافيا، فيما التاريخ المزوّر الذي يحاول شيوخ الزيت صنعه بدعم أميركي وبأياد تكفيرية لا يملك تغيير الجغرافيا مهما تمكّن من معاندتها، فالمال والسلاح أضعف أمام مقاومة الإرادة الممهورة بتوقيع الشهداء الذين سقطوا ويسقطون على أرض سوريا التي تصنع للحرية مجداً، وللشعوب أملاً، فالأصعب قد مضى، وواشنطن تقف مذهولة ومعها عربان الخليج في الوقت الذي يلتف التاريخ صوب موسكو وطهران ودمشق والقاهرة وبغداد وصنعاء ليكتب من جديد ليس على يد العثمانيين السلاجقة ولا الوهابيين في السعودية وإنما بسواعد مَن يستأصلون الإرهاب فهؤلاء وحدهم مَن يصنعون المستقبل “لتبقى سوريا لمن يدافع عنها” .
وما من شك بأن كل عربي شريف يتمنى أن تقضي سوريا على جميع المنظمات الإرهابية وأن تحافظ على وحدتها وأن يعود النازحين الى وطنهم، وأن يشاهد بفرح كبير سحب بيضاء في سماء قاسيون رغماً عن أنوف كل الخونة الذين يبيعون شرف الأمة ويدمرون وجودها بالإنحياز الى قوى القتل والإجرام والتجويع والتشريد كي يبقى أحرار سوريا رؤوسهم مرفوعة… ماضون في طريق إسقاط الغزاة… ورؤوس العرب الأحرار مرفوعة بهمتهم وعيوننا ترقب شعلة النصر المبين.