لم تُفلح حملات التضليل التي استهدفت سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية، من الوصول الى أي من أهدافها، وبعد أن لجأت الولايات المتحدة الى كل أساليب المكر والدهاء في محاولتها إعادة استنساخ التاريخ.
تورّط الأميركي في أفغانستان من قبل، وقدّم ما يلزم من أجل التغيير الذي يراه في مشروعه الشرق الأوسط الجديد، دعم العصابات الإرهابية وحاول تسويقها على أنها جزء من ما يسمى “المعارضة السورية” ودعمها بالمال والعتاد والوسائل اللوجستية ووضع تلك الأدوات في جعبته، وكل هذا باعتراف الـ “سي.آي.إيه”، وثبت بعدها مدى أضاليل محاربة الإرهاب من خلال ما يسمى التحالف الدولي.
وكلمة حق، إن دخول روسيا في معادلة الصراع في المنطقة من خلال دورها الرائد في محاربة الإرهاب هو بمثابة تغيير جذري سيغيّر وجه المنطقة بغير ما يشتهي أعداء سوريا، وبدأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من على منبر الأمم المتحدة يوم 28 أيلول 2015 وصوّب البوصلة في الإتجاه الصحيح، هاجم السياسة الأميركية في العالم واصفاً إدارة الرئيس أوباما بأنها “فاسدة وغبية وفاشلة، شجّعت الفوضى في العالم”.
في 30 أيلول 2015 كانت الطائرات الروسية تدك مواقع الإرهابيين من “دواعش” و”القاعدة” و”النصرة” و”جيش الإسلام التركي”، و”جيش الإسلام السعودي”.
وفي الوقائع عملت روسيا بموجب معاهدة الصداقة والتعاون مع سوريا، وأعلن الرئيس بوتين: “أن اللعبة انتهت وعلى العالم أن يدرك ذلك، وخصوصاً الولايات المتحدة وحلفاؤها”، وأشار بوتين الى نفس الأدوات التي استخدمت في أفغانستان عام 1979 وقد انتهت الآن ويجب استخلاص العبر من تجارب الماضي.
يحاول أعداء سوريا تسويق أن روسيا ستغرق في مستنقع الشرق الأوسط، والسؤال هنا، مَن الذي سيغرق حسب ما تفيد به الوقائع، وعلى حد تعبير هنري كسينجر في كتاب “نظام عالمي”: “إن التاريخ يشبه النهر الذي تتغيّر مياهه باستمرار، لذلك لا يستطيع المرء أن يخوض مرتين في النهر الواحد”، وهو بذلك يقول لأميركا كان عليها أن تغيّر أخطاء أفغانستان، عندما اعتمدت على إرهابيين لتغيير الأنظمة، وكسينجر نصح الغرب بحصول تبدّل في ميزان القوى في العالم، وبضرورة التخلي عن السلاح لحل النزاعات لأن السلاح يلغي الحضارات والقيم ويعبث بالتوازن.
وفي كل الوضوح، قرأ الجانب الروسي كل العناوين الضرورية لإقامة نظام دولي جديد، وهو أحد أهداف التواجد الروسي المباشر في الشرق الأوسط وفي سوريا بشكل خاص، وفي أهدافه وضع مسائل الحرب والسلم في عهدة القانون الدولي والأمم المتحدة، والتحذير من أخطار الهيمنة على التوازن الدولي والاقتصاد، واعتماد الحوار والحلول السلمية بديلاً عن الحلول العسكرية، واحتواء الخلافات الطائفية والمذهبية والإثنية، ووقف الألعاب المزدوجة، مثل محاربة الإرهاب من جهة، وتمويل الإرهابيين من جهة أخرى لإستعمالهم في حروب داخلية باستخدام القوة العسكرية ووسائل القهر والظلم وغيرها.
لذلك، كان القرار الروسي صائباً في الدخول وبقوة الى منطقة الشرق الأوسط والى الميدان السوري وهو المكان المثالي وبوابة التغيير في العالم نحو نظام دولي جديد، وهو بذلك يثبت بأن الحرب لم تكن من أجل “الديمقراطية”، بل هي من أجل الغلبة وتحقيق أهداف سياسية تكرس النفوذ والهيمنة الأميركية في المنطقة.