ما بين “جنيف” و”فيينا” من الناحية النظرية قاسم مشترك واحد، هو “المساعي” لإيجاد مسار حل سياسي للأزمة السورية.
ومن الناحية العملية، شكّل مؤتمر جنيف محطة اختارها الجانب الأميركي من أجل إستثمار الأزمة في سوريا بغية تحقيق مكاسب سياسية على مستوى المنطقة والعالم كي تصب في كفة ميزان الولايات المتحدة التي أرادت الهيمنة على المنطقة وفرض الآحادية الأميركية قسراً على شعوب ودول المنطقة ولتجعل من الأزمة نافذة فرص لوكلائها في المنطقة لإعادة ترتيب الأوضاع وفقاً لما تراه في مشروعها الشرق أوسطي الذي يجعل من حلفاء أميركا مجرد أدوات لخدمتها وتعزيز قدرتها على الهيمنة وإعطاء الدور للكيان الصهيوني وتركيا للمساهمة في تنفيذ تلك الأجندة كوكيل حصري، بما يسمح للجانب الأميركي من تعظيم لأرباحه وتقليل خسائره الى أدنى مستوى.
سقط مسلسل جنيف بسبب صمود سوريا ومعها محور المقاومة وبفضل الدعم الروسي الذي عمل على تأمين مظلة الـ “الفيتو” في مجلس الأمن ومانعاً بذلك تنفيذ ما أعدّه المشروع الأميركي للمنطقة من سناريوهات معينة.
لذلك وضعت روسيا خريطة طريق للمرحلة القادمة وتعمل على تمريرها باعتماد دبلوماسية قوية تأخذ في حساباتها الواقع الميداني بما يتضمنه من فشل أدوات المشروع الأميركي في المنطقة وتردد الجانب الأميركي وهو يرى دعائم مشروعه تتساقط في المنطقة.
ومنذ دخول العامل الروسي العسكري في معادلة الصراع في 30 أيلول الماضي تغيّر الكثير في مسار الأزمة في سوريا، وهذا ما تتضمنه الرسائل السياسية الروسية الواضحة للأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع.
ومن هنا جاءت زيارة الرئيس بشار الأسد الى موسكو وهي تحمل مضامين شتى في الداخل والخارج وتؤكّد مجرياتها على مدى إلتفاف الشعب الروسي حول سياسة الرئيس فلاديمير بوتين المتعلقة بالملف السوري، وهذا يؤكّد مدى عظمة روسيا التي تستطيع فعل ما عجز عنه الآخرون، من خلال ما بدأت ترسمه لمسار حل سياسي بالتوازي مع الحل العسكري ويتكامل مع الإصرار السوري لحد الشراكة في الحرب على الإرهاب الذي تمثّله “داعش” و”النصرة” وغيرها من المجموعات المسلحة التي تخدم أجندة المشروع الأميركي.
وفي مضامين اجتماع “فيينا” الذي عُقد بعد يومين من زيارة الرئيس الأسد لموسكو، هو قبول الأطراف المجتمعة بمبدأ التسوية السياسية من خلال المبادرة الروسية، والأهم هو اللقاء الروسي – الأميركي الذي يفتح الباب أمام البحث في ملفات أخرى مثل الأزمة في أوكرانيا وغيرها من القضايا على الساحة الدولية.
وما يعنيه “إجتماع فيينا”، أن روسيا استطاعت جمع الأطراف المناوئة لسوريا، وإدخالها في مفاوضات من دون شروط مسبقة لحل الأزمة في سوريا، وفي الوقت ذاته تستمر روسيا في ضرب بنية الإرهاب، وهذا مكسب هام للسياسة السورية وموقعها القوي اللاحق.
والسؤال، هل كان إجتماع فيينا إجتماع الضرورة لكل الأطراف؟ وهل يصلح أن يكون بداية لمسار الحل؟ أو محطة نحو التصعيد؟
من الواضح أن اللاعب الروسي هو الأهم في هذا اللقاء، وهو الذي عرض أفكاره واختار التوقيت المناسب، للبدء بتسوية سياسية بين الأطراف الإقليمية المتصارعة، وبعد أن فشل منطق مَن ناصب سوريا العداء في تحقيق أهدافه وخططه ومشاريعه، وهذا يؤكّد أن التصريحات الفاقعة والفجة لتلك الأطراف ما هي إلا أسلوباً للتعمية أمام شعوبها ورفع سقف مطالبها الواهمة، كذلك فعلت فرنسا والسعودية ولكل منهما أهدافه المتكاملة، الأول يبيع الأسلحة ويبحث عن دور والثاني يغرق في اليمن وهو في سباق مع الزمن وخياراته محدودة أمام سلم الأولويات التي نجحت روسيا في تمريره.
محاربة الإرهاب أولية بكل ما يعنيه من فضح كل مَن شارك ودعم واستثمر وأضاع البوصلة، وهو اليوم يبحث عن أولوياته الخاصة بين كومة من المشاكل والصعوبات التي خلقها أمام فعلته إثارة حالة عدم الإستقرار في المنطقة.
بكل تأكيد، يبدو أن المشروع الأميركي وقد انهزم في المنطقة الى غير رجعة، وأن محاولات الأميركي والتركي والسعودي مد المنظمات الإرهابية بأسلحة نوعية ما هي إلا دليلاً لحالة الإحباط السائدة لدى تلك الأطراف، ويكفي أن ننظر الى الميدان لنعرف إتجاه الرياح.