ويستمر الصراع في المنطقة بين قوى الخير والعدالة وأصحاب الأرض من جهة وبين المستعمرين وأدواتهم الإرهابية من جهة أخرى، ويحاول أعداء أمتنا فرض هيمنتهم، وفي المقابل يأتي الرد مباشراً وليس بمعادلة الفعل ورد الفعل هذه المرة بل تعداها الى المعادلة الأكبر على المستوى الدولي هذه المرة، وهذا ما دفع الدول الكبرى الى كشف حقيقة مواقفها وأدوارها وأهدافها بشكل واضح وبما لا يقبل التأويل.
أصبح التواجد العسكري الروسي في البحر الأبيض المتوسط حاجة ضرورية، لتأمين السلم العالمي وفرض الشرعية الدولية بعيداً عن الهيمنة الأحادية الأميركية التي قادت الى حروب همجية دفعت البشرية تكلفتها أضعافاً مضاعفة من خلال عمليات النهب الإستعماري وإفقارها بعض البلدان وتقطيع شرايين الحياة في ربوعها.
ومن هنا جاء التواجد العسكري الروسي مقابل السواحل السورية بتنسيق كامل مع سوريا الصمود والمقاومة، وهو مساهمة قوية وفاعلة لملاقاة الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب الذي تمثله “داعش” وأمثالها.
وهذا الحدث يطرح أكثر من سؤال بسبب حجم الصراع الدائر في المنطقة، هذا ما حتم نقلة نوعية وهامة من قبل الصديق والحليف الروسي وعلى المستويات السياسية والعسكرية والدبلوماسية.
وليس صحيحاً ما يحاول إشاعته البعض بأن الوجود الروسي في المنطقة أشبه ما يكون “بلعبة روليت روسية” خطرة ومكلفة، وكان الجواب الروسي واضحاً وعبّر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف بقوله: “إن اللعبة العسكرية ليست مجازفة تعتمد على عامل الحظ وإنما هي عملية محسوبة”، وهناك الموقف الذي عبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وضع النقاط على الحروف بتأكيده بأن المواقف الشجاعة والصلبة التي أبداها الرئيس السوري بشار الأسد هي التي أرست دعائم الثقة بقدرات سوريا وهي تواجه الأحداث ومن خلال رؤية صائبة تمّ التعبير عنها في أكثر من أزمة إقليمية ودولية ومثال ذلك صلابة المواقف تجاه أزمة جورجيا وتأكيده يومها “أن من حق روسيا حماية فضائها الأمني”، وعلى ضوء العلاقة التحالفية الوثيقة بين روسيا وسوريا التي تعمّقت خلال عقود من الزمن، لذلك كان من الطبيعي أن يكون الموقف الروسي القوي وتكامله مع الجهد السوري في محاربة الإرهاب.
ويشكّل التواجد الرسمي الروسي في المنطقة رداً مناسباً على ازدواجية المعايير الأميركية والغربية عموماً التي أعطت الضوء الأخضر لأدواتها الإرهابية بالاستمرار في التخريب وإشاعة أجواء عدم الاستقرار، كما فعلت تركيا أردوغان عندما استمرت في تنفيذ الأجندة المرسومة واعتقدت بأن هناك فرصة يمكن استثمارها، لكن حساباتهم كانت خاطئة وفشل رهانهم التركي شمالاً والصهيوني جنوباً، واختارت روسيا اللحظة المناسبة وتحركت من خلال رؤية واضحة وهدفها طي صفحة مأساوية صنعها الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما جرته من ويلات وتداعيات وإرهاب، ويكفي الإشارة الى صور السفن في بحر قزوين وهي تدك أماكن تواجد الإرهابيين على الأرض السورية، وهي تحمل جملة من الرسائل للقريب والبعيد، أن دور روسيا في الشرق الأوسط يعكس الى حد بعيد مكانتها الدولية وقدرتها على تحدي النفوذ الأميركي، وهذه الرسالة عبّر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوله: “إن الحروب لا تُشن من أجل قتل الناس بل من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية”. وفي الوقائع، إن قواعد اللعبة تغيّرت في المنطقة وسيتبعها تغيّر لافت في الموازين الدولية بغير ما يشتهي الأعداء، وإذا كان هناك خلاف واختلاف حول قضية ما، فهذا أمر طبيعي، لكن لا بدّ من التوضيح بأن روسيا تحارب الإرهاب وتملك منطقاً واضحاً بينما يحاول الجانب الأميركي الإستثمار في الإرهاب وهو يريد الشيء ونقيضه.
من هنا يتأكّد وبوضوح واختصار، أن لا أهداف مشتركة تجمع الجانبين في محاربة الإرهاب وهنا عقدة اللحظة الراهنة، وبعد أن سقطت عقدة “المناطق العازلة” التي ابتدعتها تركيا أردوغان وأصبحت شيء من الماضي.
اليوم يعود الصراع الى حقيقته وهو صراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر وبين التحرر والعبودية، وما يثلج صدورنا أن مشاريع التقسيم والتفتيت وإثارة الحروب واستخدام الدين وسيلة سقطت جميعها بما فيها لعبة التكفيريين وأفكارهم السوداء التي شوّهت مفهوم الجهاد الذي يعني الدفاع عن الأوطان وليس محاربة الأخ لأخيه ولأبناء وطنه.