في الذكرى الـ 42 على اندلاع حرب تشرين 1973، نتوقف عند لحظات من التاريخ المجيد، وتاريخنا شهم وصادق، فهو يروي حكايات البطولة والفداء والتضحيات التي قُدّمت على طريق عزة أمتنا وانتصارها.
وكم نحتاج لإطلالة معمقة على التاريخ فهو الوحيد الذي يملك منطقاً واضحاً لا يقبل التأويل، وهذا يعطينا مؤشراً لكيفية فهم اللحظة الراهنة، حيث بدأت تتغيّر شروط اللعبة، ويتم إخراج اللاعبين الصغار الذين جنّدوا أنفسهم لخدمة المشروع الاستعماري، بعد أن أصبحت المواجهة في المنطقة تستدعي الكبار وحدهم وهم أصحاب الحق والمدافعين عن كرامة الإنسان ومجد أمتنا.
ومنذ أن غزا الأميركي العراق واحتل خشبة المسرح تمّ مواجهته بالمقاومة وصولاً الى اندحاره، لكن تداعيات ما جرى مازالت مستمرة واحتمالاتها مفتوحة، وإلا فلماذا كل هذا الكم الهائل من الحرائق والفتن والمؤامرات التي تستهدف المواطن العربي في حاضره ومستقبله، وهي الشكل الجديد من حروب التقسيم والتفتيت وهدفها الهيمنة على المنطقة من خلال استخدام الأدوات الإرهابية.
ونحن نستلهم أمجاد حرب تشرين، نرى فيها ما يوسع إدراكنا ويصوّب رؤيتنا ويزيدنا قوة وعزيمة، فتلك الحرب شكّلت فاصلة هامة في تاريخنا الحديث، وأثبتت مدى قدرة الجندي العربي السوري والمصري على استخدام الأسلحة الحديثة، وبأن تحقيق الإنتصار أمر ممكن إذا ما توفرت القيادة الحكيمة والشجاعة، ويومها قالت الصحف العالمية ومنها “الغارديان”: “إن الأسطورة التي دامت ربع قرن قد اختفت، و”إسرائيل” معتبرة الآن كشيء لم يعد منيعاً ويمكن الإنتصار عليه”.
وقالت صحيفة “الديلي ميل”: “لقد حكمت الحرب الرابعة “الوضع الراهن” العزيز على قلوب الإسرائيليين وتلقى خلالها المجتمع الإسرائيلي صدمة عنيفة وأصيبت معنوياته بهزة زلزالية”.
ويومها قال “حاييم كولدمان”، رئيس المؤتمر اليهودي: “إن التشاؤم والكآبة والقلق الذي يسود الإسرائيليين ويهود العالم على السواء، جاء نتيجة تحطم نماذج ومفاهيم وأوهام كثيرة، وكانت هناك مبالغة في تقدير قوة “إسرائيل”.
أثبتت الحرب مدى هشاشة الكيان الصهيوني الذي يعيش على الدعم الأميركي والغربي، وأنه مجرد أداة بيد القوى الإستعمارية الكبرى، وانهارت قوة الردع التي طالما تباهى بها، وهذه الحرب رسّخت القناعة التامة بحتمية النصر على الأعداء، وثبت أن سلاح الإرادة والوعي هو العامل الأساس في تحقيق النصر.
وفي اللحظة الراهنة، نرى بوضوح كيف تمّ ترويج السلام المزيّف في الشرق الأوسط من خلال إتفاقيات “كامب ديفيد” ووادي عربة وأوسلو ومشتقاتها، أراد الأعداء من وراء ذلك إنتزاع عوامل القوة تمهيداً لإثارة حروب جديدة وبأشكال مختلفة.
وتشن الحرب على سوريا لأنها متمسكة بحقوق الأمة وقضاياها وبعزة وكرامة الإنسان. ومن خلال استخدام أدوات الفتنة والإرهاب التكفيري يحاول الأعداء الوصول الى أهدافهم للهيمنة على المنطقة، لكن سوريا ومعها أطراف محور المقاومة تصمد وتقاوم الهجمة الإستعمارية وأدواتها الإرهابية، واستطاعت بذلك أن تغيّر الكثير من المعادلات وتنال احترام الشرفاء والأحرار في هذا العالم، وهي بذلك أصبحت ركيزة هامة وكبُر دورها في المنطقة وحدود انتصارها بات يلامس تغيّر التوازنات الدولية، ونحن نستلهم أمجاد حرب تشرين نعي ماهية وعظمة الإنتصار الذي سيرسم ملامح الغد الأفضل لأجيالنا.