اللقاء أمس (28/9/2015) بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما في نيويورك، ليس حدثاً عادياً، طبيعة اللقاء والأرضية الجديدة التي تهيأت تعطي مؤشراً واضحاً بأن الظروف أصبحت مناسبة لتحقيق تقدم فيما بين الجانبين في أكثر من ملف وقضية، تبدأ من سوريا ولا تنتهي في أوكرانيا.
ويأتي اللقاء بعد أكثر من سنتين على امتناع الرئيس أوباما عن لقاء نظيره الروسي بسبب الأزمة الأوكرانية، وفي النتائج المباشرة لهذا اللقاء، ما يعني دفن مساعي الولايات المتحدة لـ “عزل روسيا”، وهذا يشير الى إقرار واضح بأن دور روسيا لا يمكن تجاوزه.
وفي الوقائع، قواعد اللعبة تغيّرت في سوريا والمنطقة، وأوراق القوة التي يملكها بوتين كثيرة، وهناك واقعاً جديداً، ودول الغرب التي راهنت على حليفها الأميركي لم تثمر حساباتها، وبدأت بالتراجع بشكل لافت منذ توقيع الإتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 وبسبب صمود سوريا ومعها أطراف محور المقاومة.
واللقاء بين الجانبين الروسي والأميركي، يؤكّد بأن روسيا أصبحت اللاعب الأهم الذي تمّ تهيئة كل أسباب النجاح له وعلى كافة الأصعدة الدبلوماسية والسياسية والعسكرية، ومن خلال مواقف واضحة في التوصيف والعلاج.
التواجد الروسي العسكري الكثيف في البحر المتوسط وعلى قبالة السواحل السورية، يتضمن جملة من الرسائل الهامة وخاصة أنه يأتي مترافقاً مع تنفيذ روسيا جملة من العقود بما يهم المنطقة على صعيد توريد الأسلحة الى سوريا ومصر والعراق ولها أولويات واضحة مثل محاربة الإرهاب وإيجاد حلول ناحجة للأزمة السورية وإفشال رهانات أعداء سوريا دفعة واحدة.
وفي الوقائع أيضاً لم يبقَ من جنيف – 1 بطبعته الأميركية أي أثر، بعد التفسير الروسي الذي يعني ضرورة إتفاق الأطراف على شكل الهيئة الإنتقالية من خلال إشراك المعارضة البناءة فقط، والحوار بات سورياً – سورياً وبقيادة الدولة السورية وبقوانينها ودساتيرها.
ويبدو أن الرئيس الروسي بوتين، يحمل في جعبته الكثير من استنتاجات المطبخ السياسي في الكرملين وذلك بعد التطورات المتسارعة في المنطقة وعلى أكثر من صعيد، وتأكيدات روسيا تأخذ طابعاً عملياً وهي لن تسمح بتكرار تجربة ليبيا وأيضاً لا تريد أن تفاجأ بذات السيناريو في آسيا الوسطى، وروسيا ستحارب الإرهاب ولكن بطريقتها وليس من خلال لعبة الآخرين.
لقد استفادت روسيا من عبثية الإستراتيجية الأميركية والغربية القائمة على إطالة أمد النزاع واستنزاف سوريا وإضعافها، حيث فشلت تلك الاستراتيجية بسبب صمود الدولة السورية قيادة وجيشاً وشعباً، وانكشفت ما تسمى “معارضة” بأنها مصنعة في الخارج وهي أشبه بمسرح لوكلاء دول وقوى إقليمية ودولية لا يعنيها إلا تسوية حساباتها الخاصة حتى لو كانت على حساب دماء أبناء شعبها.
وأمام صمود سوريا وحلفائها وانسداد أفق الأعداء، تقدمت روسيا وهي تعي تطلعات الشعب السوري، وهي الصديق الوفي ومن خلال رؤية بعيدة المدى وتحركت في الوقت المناسب.
سوريا انتصرت بجيشها وشعبها وقيادتها وبصدق تحالفاتها، هذا ما دفع الدول الغربية قاطبة لإبداء مرونة لافتة وبدأت تعيد حساباتها وتسلم بواقع جديد.
والتواجد الروسي القوي في المنطقة يعد بمثابة عملية إنقاذية لجهود المجتمع الدولي الذي وجد نفسه في عنق الزجاجة ولم يعد يعرف كيفية الخروج منها وذلك بسبب ازدواجية المعايير الأميركية والدوران في فلكها.
إن ما يؤهل روسيا للقيام بدورها على أحسن وجه في محاربة الإرهاب هو صدق نواياها وصحة تحالفاتها ورؤيتها الشاملة التي تأتي منسجمة مع الشرعية الدولية وبعيداً عن الآحادية الأميركية التي ثبت فشلها، بينما يدفع الأوروبيون ثمن انحيازهم الأعمى للجانب الأميركي من خلال كابوس النزيف البشري المتوقف على أبوابهم بسبب إرهاب “داعش” وهم منهمكون بحل أزماتهم المستجدة.