في ظل الصراعات الإقليمية والدولية , وتطور لتبعات الربيع التكفيري, وتنامي لموجات التطرف والإرهاب, وفي ظل جو عربي قاتم, لا يزال ينذر بهبوب عواصف العنف والحروب والفوضى, برزت على سطح العلاقات الدولية مسألة اللاجئين, وهي إحدى النتائج المباشرة للهجمة التكفيرية على المنطقة المدعومة من قبل انظمة خليجية تريد تدمير المنطقة ونشر الفوضى فيها وتحديدا في كل من سوريا والعراق، فكان ما كان من قتل ودمار وتشريد , إذ تنامى التعصب والحقد و تعززت الأطراف المتناحرة لتسود لغة السلاح والذبح والتنكيل بدل الحوار لغة العقلاء والصالحين, وكنتيجة حتمية للغزوة التكفيرية المسلحة على عدد من البلدان العربية الدول العربية, تنامت ظاهرة اللجوء هربا من نيران الجماعات التكفيرية وبطشها.
ففي سورية مثلا, بعد خمس سنوات من القتال , “داعش” و ” جبهة النصرة” وغيرها من التنظيمات التكفيرية على رأس الارهاب , ولا تزال مرتزقتهم يمارسون طقوس الترويع, والتفنن في أساليب الاجرام والإعدام, وفي العراق لا يزال المشهد السياسي ضبابيا, وغير واضح وسط تمدد الإرهاب, وفي ليبيا كذلك لا نعرف من يحكم من ولا تزال جولات المفاوضات سارية, علما أنها بعيدة عن حلول آنية وواقعية تحمي الوطن من أهواء الأحزاب المتطاحنة.
في ظل ذلك كله هجر السوريون والعراقيون والليبيون البيوت والأحياء والازقة والساحات مخلفين وراءهم حزنا ورفات أيتام, رحلوا غصباً وليس طوعاً, أجبروا على ترك حياتهم للبحث عن الأمان, تركوا جحيم الوطن مكرهين ليتربص بهم صقيع مخيمات اللاجئين في ظروف لا إنسانية أشبه بكثير بمخيمات دول إفريقيا المتطاحنة, ولان اقامتهم طالت بتلك المخيمات ولتزايد أعداد اللاجئين فلم يكن لهم من حل غير اللجوء الى مغامرة الدخول إلى أوروبا إما عن طريق تركيا أو اليونان, او عن طريق قوارب الموت بحراً.
ان ظروف هذه الدول المصدرة للاجئين اصبحت لا تحسد عليه نتيجة ما تعانيه من بطش هؤلاء الكفرة والقتلة المأجورين, لنعيش ونحن في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين إحدى اكبر الأزمات التاريخية والأخلاقية والتي لا يمكن مقارنتها إلا بسلسلة النزوح اثر الحرب العالمية الثانية, لذلك فلا مزايدات في مسألة قبول اللاجئين من طرف القارة العجوز , بل وجب عليهم انسنة الموقف وعقلنته وعدم التبجح باستضافة اللاجئين ومطالبة دول خليجية بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاههم, فكما ان اللجوء هو حالة إنسانية تنص عليها معظم الدساتير الدولية, وتؤكدها اتفاقيات دولية وإقليمية وترعاها المنظمة الدولية للهجرة وشؤون اللاجئين تحت مظلة الأمم المتحدة, فهو اليوم صار التزاما أخلاقيا أمام الصور التي يراكمها الإعلام أمامناً يومياً على الحدود المقدونية او المجرية, او على شريط البحر الأبيض المتوسط, تلك الصور التي تحرك في عيوننا مياه راكدة وتؤجج المشاعر الانسانية.