في الأصل، فلسطين قضية العرب والأمة بأسرها، وهي قضية تحرر وطني وقضية إنسانية وهي جزء من حركة التحرر العالمية، ومن الناحية الواقعية والظرف الموضوعي، فلسطين هي ضحية تآمر المجتمع الدولي الذي خضع لهيمنة الدول الإستعمارية وعلى رأسه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الذي أنشئ على أرض فلسطين، للقيام بدور وظيفي في خدمة المصالح الإستعمارية كقاعدة متقدمة وثابتة في قلب الوطن العربي.
لم يأتِ التهجير الذي استهدف الشعب الفلسطيني دفعة واحدة، وإنما من خلال مخطط مرسوم وعلى مراحل، واللافت هو الدور الأميركي وريث الدور البريطاني، الذي عمل جاهداً على إدخال المسألة الفلسطينية في صميم الصراع العربي – الإسرائيلي، وهذا لم يأتِ جزافاً، وكان الهدف من وراء ذلك إضعاف الحلقة العربية والهيمنة على العامل العربي، ليسهل بعد ذلك تصفية القضية الفلسطينية، وبذلك أصبحت القضية تابعة لمسألة الصراع وبعد أن تمّ تهميشه وإفراغ مضمونه، بدأ أولاً في كامب ديفيد عام 1979 عندما أخرجت مصر من دائرة الصراع، ما سمح للكيان الصهيوني بتنفيذ مخططاته اللاحقة وتوجيه ضربات متتالية لمقاومة الشعب الفلسطيني والإنفراد بالدول العربية المتمسكة بالقضية والمدافعة عن حقوق الفلسطينيين من منطق الأخوة وتقرير المصير.
وعملت الإستراتيجية الإسرائيلية على إقناع الأسرة الدولية بأن نزاعها في الشرق الأوسط يتصل بالدول العربية إتصالاً أكثر بكثير من إتصاله بالفلسطينيين، الضحايا لإستعمار فلسطين، أي كان التركيز على أولوية الصراع مع العرب.
واتّبعت الولايات المتحدة فيما بعد سياسة تتضمن تسويق فكرة أن المسألة الفلسطينية قد طُمست وأزيلت من الوجود، واتّجهت الى معالجة مسائل ثانوية مثل مسألة الحكم الذاتي دون إتخاذ خطوات جذرية لإيجاد حلّ بشأن المسألة الفلسطينية، وسارعت في البدء على إنكار الهوية الوطنية الفلسطينية، وساعدت “إسرائيل” على إنكار حق الفلسطينيين.
ومن ثمّ لم تقدم المبادرات إلا إستجابة للتطورات الفلسطينية منذ انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى بسبب التأييد العالمي للقضية الفلسطينية، واستغلت أميركا الظروف الدولية والإقليمية التي أعقبت حرب الخليج الثانية، واستطاعت أن تحوّل المنطقة، من منطقة تتحدى الهيمنة الأميركية الى منطقة خضوع تام مع بعض الإستثناءات بفعل ظهور المقاومة الإسلامية والوطنية في لبنان التي غيّرت المعادلة وخلقت نوعاً من الأمل لدى أبناء الشعب الفلسطيني ولدى أبناء الأمة.
وعملت أميركا على صياغة المبادئ الخاصة بتسوية لقضية فلسطين وقبلت بإجراء محادثات ومؤتمرات مثل أنابوليس وقبلها مدريد وأوسلو، وهذه المؤتمرات وما نتج عنها من إتفاقيات وتفاهمات، تمثّل كارثة حقيقية وهزيمة مدوية بكل المقاييس.
إن قبول منظمة التحرير تعريفاً جغرافياً لفلسطين شديد الغموض، لا يشمل ما لا يزيد عن 15 % من أرض فلسطين، يعني القبول بواقع الأمر، والعجز عن تقديم أي دعم ذي معنى لمطالب الفلسطينيين في المنفى وحقوقهم، رغم أن الشعب الفلسطيني إطمأن الى هويته، التي انتزعها بفضل التضحيات وكفاح منظمة التحرير الثابت والناجح كحركة تحرر وطنية.
والسؤال اليوم، الى متى سيحفظ الفلسطينيون هويتهم الفلسطينية في ضوء مسلسل التنازلات والقبول بالرعاية الأميركية لمفاوضات لم تأتِ إلا بالخراب والتدمير المنهجي لكل ما أنجز، وإعطاء المزيد من الوقت للإحتلال الإسرائيلي لإستكمال مخططاته التهويدية في أرض فلسطين؟.
والسؤال أيضاً هل تنصل بعض العرب من قضاياهم بعد هذا الكم من التبعية والخضوع للهيمنة الأميركية، أم أن الفرصة مازالت سانحة للنهوض من جديد والإستفادة من التجارب والأحداث والمصائب التي أدمت قلوب المواطنين العرب وجعلتهم غرباء في أوطانهم، لتبدأ رحلات جديدة من التهجير وتدمير ما تمّ إنجازه على مدى عقود من الزمن؟ هل نعي حقيقة ما يدبّر وما هي خياراتنا؟.
بالتأكيد الصراع مستمر والقضايا مترابطة ومتكاملة، هل نستوعب الدرس؟