تشهد تركيا تراجعاً اقتصادياً ملحوظاً، وهناك احتقان سياسي غير مسبوق يأتي بالتوازي مع خطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحاول تعديل وتسخير تركيبة نظامه من أجل القيام بأدوار إقليمية مشبوهة وتنفيذ أجندات ومشاريع امبراطورية سقطت بمرور الزمن، لكنها مازالت تثير التساؤلات في الخارج وسط جدل الداخل، وبدأت تدفع البلاد الى أتون صراع يبدأ ولا ينتهي في الداخل التركي كما في مساحة الإقليم والجوار تحديداً، وهذه التصرفات أدّت الى تراجع سعر صرف الليرة التركية وبلوغه أرقاماً قياسية بعد فشل أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” في تشكيل حكومة إئتلافية بعد الإنتخابات البرلمانية التي جرت في حزيران 2015.
تركيا ذاهبة الى إنتخابات برلمانية مبكرة في الأول من تشرين الثاني القادم، والنظام التركي بدأ خلط الأوراق في الساحة الداخلية والجوار، وأردوغان يحاول التغطية على فشله في الإنتخابات السابقة وسيعمل على إفراغها من مضمونها ونتائجها وكأنها لم تكن، وهو الذي طالما قال: “إن على الأتراك أن يتعودوا على إجراء الإنتخابات في موعدها”، أي كل أربع سنوات، لكنه اليوم لم يحتمل شهرين فقط من عمر البرلمان الجديد، واللافت أنه أطلق على الإنتخابات المبكرة القادمة، اسم “إنتخابات مكررة” أو “إنتخابات إعادة”، وهو بذلك يريد أن يوجه رسالة مفادها، أن نتائج اإنتخابات السابقة أُبطلت، وفي الوقائع، خسر أردوغان بالضربة القاضية أهم انتخابات جرت في تركيا منذ 13 عاماً ونتائجها دفنت أحلامه الرئاسية وفشل حزب “العدالة والتنمية” في الإحتفاظ بالسلطة بمفرده.
ويعمل أردوغان من أجل الإلتفاف على نتائج الإنتخابات السابقة بلعبة علنية ويتذرّع “بكونه انتخب من الشعب مباشرة ويملك صلاحية إعداد دستور جديد”، وهو بذلك يقوم بإنقلاب سياسي ويحاول فرض أمر واقع يجعله مطلق الصلاحيات.
واستهداف الأكراد في تركيا وخارجها يأتي في سياق التصعيد وعلى قاعدة إغراق البلاد في الفوضى والتوترات ومحاولة التأثير النفسي على الناخب التركي، وتفسير الفوضى بعدم حصول “حزب العدالة والتنمية” على الغالبية المطلقة، وأما الخروج من هذه الفوضى سيتمّ من خلال التصويت مجدداً وبكثافة لـ “حزب العدالة والتنمية”.
وفي سياق الفوضى أيضاً، أعلن أردوغان الحرب على حزب العمال الكردستاني وبشكل عملي، وأعلن حربه الشكلية على “داعش”، وهدفه إدخال البلاد في حالة من الترقب والقلق، ووضع حزب “الشعوب الديمقراطية” تحت ضغط القضاء من خلال محاولته إلصاق تهمة الإرهاب به وكسر الحزب أو إضعافه بهدف التأثير على نتائج الإنتخابات المبكرة وعلى الأقل تخفيض نسبة التأييد له، وبذلك يحاول أردوغان تسويق أنه الحريص على إظهار هيبة الدولة والمدافع عن الحقوق القومية للأتراك وإحراج حزب الحركة القومية، وبالتالي خطف بعض أصوات مؤيديه.
كل الدلائل والمؤشرات تؤكّد، بأن خطة أردوغان هذه لن تنجح وستأتي بنتائج عكسية تماماً، إذ أثبتت التجارب أنه كلما زاد من ضغطه على الأكراد، تكتلوا ضده، وخطة المعارضة في رفض المشاركة في الحكومة الإنتخابية هي ضربة قاسية وستلحق الضرر بصورة أردوغان التضليلية، وبأن ذهابه الى الإنتخابات من خلال حرب مفتوحة على الأكراد لن تكون مضمونة النتائج، وحال المواطن التركي الآن يقول: “لقد وعدتمونا بالحل، لكنكم جئتم بالحرب”، والسؤال أيضاً، هل الوعد بالإستقرار يكون بإراقة المزيد من الدماء في حرب لا أفق لها وخاسرة وتداعياتها ستضرب كل مشاريع أردوغان الداخلية والخارجية.