التصعيد التركي الأهوج الذي استهدف حزب العمال الكردستاني وجاء بشكل متوازٍ مع هجمات محدودة استهدفت تنظيم “داعش” الإرهابي، يثير الكثير من التساؤلات حول توقيته وأهدافه، وبعد أن سعت تركيا أردوغان خلال السنوات الماضية الى تسهيل مهمة التخريب والتدمير عبر “داعش” وأمّنت له كل مستلزمات القوة والبطش وتعظيم أعماله وتوفير الممرات لإمداداته البشرية سواء للقتال الى جانبه أن تأمين الخدمات اللازمة لإستمراره في مهامه، وهي بذلك استثمرت في الخراب وتداعيات ما يحصل.
والسؤال، ما الذي تبدّل في المعادلة؟ سارع أردوغان تركيا الى عرض خدماته على الولايات المتحدة ودول الغرب لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي، سواء بقطع المنافذ عبر الحدود أو من خلال السماح لطائرات التحالف الدولي باستخدام القواعد التركية بعد طول تردد وانتظار، أليس المطلوب رفع اليد الغربية عن حماية الأكراد بعد الإنتصارات التي أنجزوها في مواجهة “داعش” وجاء وقت القصاص التركي على الطريقة العثمانية الإنكشارية، ومن ثمّ منع الحوافز عن “حزب الشعوب الديمقراطية” لوقف صعوده في تركيا بعد أن أفشل خطط أردوغان العثمانية.
في الوقائع ثبت عملياً فشل ما يسمى عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني بعد أن عادت تركيا أردوغان الى الفصل الدموي الذي سقط ضحيته الآلاف من الجانبين.
وأطلقت تركيا العنان لغارات طائراتها ضد حزب العمال الكردستاني، وجاء هذا الفعل في ظل متغيرات إقليمية وداخلية ودولية، تمثّلت بأحداث اليمن وإعادة التموضع التركي، وبعد الإنتخابات التركية الأخيرة والفشل المدوي لطموحات أردوغان العثمانية، ومن ثمّ الإتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1 وتداعيات هذا الإتفاق على مجمل قضايا وأزمات المنطقة، وتخاف تركيا على دورها الإقليمي وحصتها في موعد الحصاد وعلى تحالفها التاريخي مع واشنطن.
وترى تركيا أن دورها يتراجع أمام تصاعد الدور الإيراني وأهميته السياسية والإقتصادية والعالمية، وهذا يعني خروج تركيا الحليفة التاريخية للغرب والعضو في الحلف الأطلسي من سياق المنظومة الأمنية للحلف الأطلسي لصالح معادلة إقليمية جديدة في المنطقة.
والأهداف التركية من وراء اتفاقها مع أميركا، يعني استعادة العلاقات التركية – الأميركية، وهذه تمثل أهمية استراتيجية لتركيا تجاه قضايا الشرق الأوسط، وكذلك الحد من خطر “داعش” كخطر مؤقت، بينما ترى تركيا في الصعود الكردي “خطراً استراتيجياً” يؤثر بمستقبل الدولة التركية وبنيتها وجغرافيتها.
وترى تركيا بإقامة منطقة عازلة (منطقة أمنية) كتلبية لأحد شروطها في الإنضمام الى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، لكن هذه الخطوة ستبقى عرضة للإستهداف وبؤرة لإستنزاف القدرات التركية، وكل الدلائل تؤكّد بأنها خطوة تكتيكية، الهدف منها ضرب حزب العمال الكردستاني وإضعاف “حزب الشعوب الديمقراطية”، وهي خطوة تمثل مقدمة للتوجه الى الإنتخابات التركية المبكرة لصالح “حزب العدالة والتنمية” واستعادة ما خسره أردوغان في الإنتخابات الأخيرة، لكن مثل هذه الحسابات دونها الكثير من المتغيرات في المنطقة التي ستؤثر في المعادلة الداخلية التركية بغير ما يشتهي أردوغان، لأن مساحة اللعب ستتمحور في النهاية كوكيل لحماية المصالح الأميركية في المنطقة.