يجري في الآونة الأخيرة حديث متشعب الأطراف والأبعاد عنوانه “حوارات” في المنطقة للبحث عن مخارج لحل الأزمات والوصول الى تسويات معينة، والحديث أيضاً عن حوار استراتيجي أميركي مع دول عربية معينة ومنها مصر للوصول الى تجميع نقاط “التلاقي” والبناء عليها والبحث عن حلول لنقاط “الخلاف”.
ليس لدى الجانب الأميركي استراتيجية ثابتة تجاه المنطقة ولا تجاه أي منطقة في العالم، وتطبق الإدارة الأميركية تكتيكات عدة لوقف تورطها في شؤون منطقة الشرق الأوسط وهي تنسحب تدريجياً ولكنها مصممة على الحفاظ على مصالحها بطرق شتى.
ويمكن القول في هذا المجال أيضاً، إن سياسة تضخيم الأحداث والأفعال العادية هي مجرد وسيلة للعب في عامل الوقت بإنتظار ظروف أفضل، لذلك فاستخدام مصطلح حوار استراتيجي هو مضلل والهدف منه حصد الإنجازات قبل أي تسويات كبرى وتاركين بذلك للدبلوماسية تأمين بيئة معينة لصفقات الأسلحة وإدارة الأزمة.
والجانب الأميركي يسعى الى تسويق دوره بتأكيده على “أهمية ربط مواجهة الإرهاب بتحقيق الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان” وعدم الخلط بين ما يسميه “المعارضة السلمية والجماعات الإرهابية” لكنه يستمر في مشروعه.
الخلاف بين مصر والولايات المتحدة مازال قائماً بشأن جماعة “الإخوان” وهو الخلاف الأكثر جوهرية ومن شأنه أن ينتج خلافات أخرى على الصعيد الإقليمي، وتعمل الولايات المتحدة على تسويق ما يسمى “معارضة سورية” بمكونها “الإخواني”، وهذا يؤدي الى تباين واضح في وجهات النظر حول ملفات المنطقة.
وفي القراءة نرى، أن خيارات الولايات المتحدة ترتبط بمصالحها، لكن أي تسوية سياسية في المنطقة يجب أن ترتبط حكماً بالإنجازات الحقيقية في الميدان، لذلك تتسارع وتيرة العمليات على مساحة جغرافية واسعة في عالمنا العربي، والرهانات بين الجانب الأميركي والتركي والقطري مازالت متواصلة وانتقلت الى مستوى جديد من التنسيق، وهذا يدفعنا للتساؤل حول حقيقة الدور الأميركي بعد التوافق على استخدام قاعدة “أنجرليك” التركية لمحاربة “داعش” مقابل مرونة كبيرة لأنقرة لضرب حزب العمال الكردستاني.
ما يجري هو تسويق مضلل لحقيقة الأمور ولا يعكس مدى التورط الأميركي في المنطقة وإعطاء الدور لتركيا بشكل متدرج وبذرائع واهية ومنها حماية ما يسمى “المعارضة المعتدلة” بمركبها “الإخواني”.
وفي النتائج، وبعد مراهنة البعض على تركيا، تراجع الحديث عن الحل السياسي واحتمال إنجاز تسوية، وفي وقت تتوغّل فيه المجموعات المتطرفة وتعمل على خلق صراعات مذهبية ومناطقية.
والحلول الإفتراضية التي تقدمها الدول الداعمة للصراع تعني أن أي تسوية مازالت بعيدة لأن ما يتم تقديمه يتناقض مع المصالح الوطنية للشعب السوري بكل ألوان طيفه السياسي.
وكذلك، إن إنضواء مجموعة من الأطراف تحت عباءات الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة، هو استمرار للأزمة وتأجيج للصراع وترك المجال مفتوحاً لمزيد من الفوضى الأميركية “الخلاقة”.
وليس غريباً أن يسارع البعض للحديث عن “مشروع ديمقراطية المكونات” في المنطقة والهدف عرقنة الصراع وهو مطلب أميركي، وثم إعادة إنتاج التبعية والتخلف والإرتهان السياسي.
وفي المشهد الدولي والإقليمي، هناك درجة عالية من التناقض والتداخل والترابط وحديث عن محصلة تأخير الحل السياسي بسبب عدم وجود معارضة حقيقية بعد أن تكاثرت المجموعات الإسلامية المسلحة، وبالتالي إن محاولة إدارة الصراع في المنطقة عن طريق استثمار إنجازات المجموعات الإرهابية هو وصف لحالة من فقدان الرؤية لدى الطرف الأميركي والتركي وتوابعه.
الصراع مستمر في المنطقة، وفي التحولات الجارية، ما أكّده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على “ضرورة إنشاء تحالف إقليمي لمواجهة خطر التمدد الإرهابي” والعمل على دعم وتمكين محور المقاومة من الصمود والإنتصار أمام الهجمة، هذا هو السبيل لدفع الآخرين من أجل تصويب هدفهم والإقلاع عن الرهانات الخاسرة.