وأخيراً انكشفت حقيقة الدور التركي التدميري في المنطقة، وانقلب السحر على الساحر، وبعد أن رفضت تركيا منذ وقت مبكر المشاركة في الحرب ضد الإرهاب الذي تمثله “داعش”، عادت وأعلنت حكومة أردوغان مشاركتها في التحالف الدولي ضد “داعش”، والسؤال ما هي الأسباب؟
جاء التدخل التركي الأخير العاجل والمفاجئ، وهو في أصله وفصله، يتمحور حول هدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من “داعش” تحت شعار محاربته، وهذا التحرك لم يأتِ صدفة، وإنما تمّ بعد افتضاح تورط تركيا في دعم تنظيم “داعش” الإرهابي واستثمار أعماله وجرائمه واستخدامه ذراعاً ضاربة في الحرب بالوكالة ضد سوريا والعراق.
وفي توقيت التدخل التركي، بعد فشل “داعش” ونجاح الكرد الموالون لحزب العمال الكردستاني في لي الذراع التركية وكسرها في كل من سوريا والعراق، فشلت تركيا في قطع “أربيل” وإلحاقها بـ “داعش” غداة الهجوم على الموصل، وكذلك الحال في عين عرب (كوباني) وتل أبيض وعين عيسى.
وبالتالي إذا سقط تنظيم “داعش” الإرهابي المدعوم من تركيا في ساحة المواجهة في سوريا والعراق، سيترتب على ذلك إنتصارات سياسية وإقليمية ودولية وفرض أمر واقع وخاصة بعد أن تمّ توقيع الإتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1، وعندها لا مناص أمام تركيا إلا الإعتراف بالواقع الجديد الذي سيمثل ضربة موجعة للمشروع التركي العثماني الذي عوّل كثيراً على دعم التنظيمات التكفيرية بكافة مسمياتها، حيث تحوّلت تركيا الى “قبلة” الجماعات المتطرفة الإرهابية التي تستغل الدين وتزوره لتحقيق أهدافها.
وبعد أن انكشفت حقيقة الدور التركي، لجأت حكومة أردوغان الى الإنقلاب على ما سمي “التسوية السلمية” مع أكراد تركيا، بعد أن حاولت تحييدهم عن الخلافات مع جماعة فتح الله غولن، وظهرت الخديعة الكبرى التي عاشها كرد تركيا من خلال الآمال التي عقدوها على الوعود التركية الفارغة التي هدفت لإستنزاف “الكردستاني” في الحرب مع “داعش”.
وباختصار، إن تركيا التي كانت تحارب الكرد و”الكردستاني” من وراء الستار عبر “داعش”، نزلت الآن الى الميدان، داخل تركيا وخارجها برفقة رهط من المرتزقة تحت مسمى المعارضة.
إن محاولة تركيا الإندفاع للتدخل في الشمال السوري هي لعبة مكشوفة هدفها تسليط الضوء على دور تركيا لإستنزاف سوريا من الشمال مع ما يتم تحضيره في جبهة الجنوب بدعم إسرائيلي وحفنة من المرتزقة والأدوات في المنطقة، لكن مثل هذه اللعبة لم تعد تنطلي على أحد وهي تعني اللعب على هوامش الحدث وليس في قلبه، لأن إقامة منطقة عازلة كمشروع تركي فعلي قد أصبحت من حسابات الماضي، وهي تعني أيضاً تقديم خدمة للجانب الأميركي في قاعدة “أنجيرليك” الجوية مقابل التحرك التركي لمحاربة “داعش” ولكن بشروط أميركية واضحة.
وسيحاول أردوغان أن يخلق صورة إنتصار ما في الحرب على “داعش” وهزيمتها، وسيدعي بأن القوى الإقليمية ومعها الغربية عجزت عن تحقيق هذا الهدف، والسؤال الذي يطرح، هل أردوغان تركيا شريك في المعركة ضد “داعش”؟
ربما يقال بأن ما يحصل هو إنقلاب بكل المقاييس، نقول “داعش” أداة تركية وانكشفت وتبقى أداة، لكن وقائع الأحداث ونتائج الحسم في الميدان تفيد بأن أولويات أردوغان تغيّرت وكذلك أدواته التي صنعها لم تعد صالحة بعد فشلها المدوي في الميدان، ومؤشرات ذلك الهجوم التركي الذي يستهدف الأكراد هدفه إنجاز ما عجزت عنه “داعش”، وتركيا اليوم تلعب على الهوامش في محاولة إرضاء الجانب الأميركي والعودة الى الدور المرسوم لها بعد أن سقط مشروعها العثماني الى غير رجعة.