في أبعاد الإتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1، هناك الكثير من المضامين، أما في الشكل، ركز الإتفاق على الناحية التقنية ومحدداتها وعلى آليات الرقابة على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة وكذلك رفع العقوبات الآحادية الأميركية.
وتبدو بنود أخرى وقد أصبحت على الطاولة، لكن الخوض فيها في هذه المرحلة ربما لا يؤتي ثماره في الأمد القصير، هناك الصراع الذي يدور في المنطقة والحرب على الإرهاب الذي ينتقل الى شكل جديد، لم يعد الإستثمار في الإرهاب أمراً مجدياً لصانعيه بعد أن وصلوا الى أبعد نقطة في استخدامه وصرفه لتحقيق مآرب سياسية.
ووقائع الميدان أثرت على تقدم المفاوضات، ومع اشتداد الصراع وتداعياته في المنطقة كان هناك خطاً موازياً يتقدم، إستمرار التفاوض لتحقيق اختراق ما لصالح الطرف الأميركي الذي سعى لإستثمار نتائج الأحداث، لكن نتائج الميدان لم تعطِ للجانب الأميركي ما أراده من مكاسب أو نقاط معينة كي يبني عليها، لذلك بقي موضوع التفاوض منصباً على الملف النووي الإيراني، إلا أن تبادل الرسائل استمر خلال مرحلة التفاوض من خلال وقائع الميدان والعمليات العسكرية على طول مساحة الإقليم، وكان الهدف التوصل الى ملامح المعادلة السياسية التي لم تتبلور وقتها.
نجحت القيادة الإيرانية عندما حددت خطوطها الحمر ووضعت سقفاً معيناً لعملية التفاوض وقطعت الطريق على أي ابتزاز أميركي، وأصرّت إيران على رفع العقوبات المفروضة بشقيها الدولي والأميركي الآحادي، واستطاعت إيران أن تحصل على ما تريد من مشروعية دولية وإقليمية ستؤهلها لقطف الثمار السياسية للإتفاق مع الإبقاء على ثوابتها السياسية كما هي، أي أن لعبة التفاوض هي انعكاس مباشر للغة الحرب المفترضة، وتعني الوصول الى الإتفاق بقبول الطرفين مع تجنب أكبر قدر من الخسائر والذريعة أن أوضاع الإقليم لا تحتمل حرباً جديدة مدمرة.
وفي مضامين الإتفاق الذي أبرم بين إيران ودول 5+1 (يوم 14 تموز 2015) وخاصة الجانب الأميركي، هناك إقرار واضح بقوة إيران وقدرتها وبمدى تحكمها في الميدان، وهذا ما اعتبره مراقبون، بأنه تنازل أميركي واضح واعتراف بدور إيران وفاعليته في كافة الملفات الساخنة في الشرق الأوسط.
واستطاعت إيران ومن خلال استراتيجيتها الثابتة من انتزاع الإعتراف الأميركي والدولي بشرعية نظامها بعد أن حاولوا عزله ومحاربته وحصاره عقوداً من الزمن، لكنهم اليوم يتعهدون بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لإيران تحت أي ذريعة.
وتمكّنت إيران من خلال الإتفاق من الحصول على إقرار أميركي ودولي بالإنتماء الى النادي النووي وحقها بتخصيب اليورانيوم، وهناك إقرار آخر بالقبول بإيران قوة إقليمية بارزة في الشرق الأوسط تؤخذ مواقفها ومطالبها بجدية وتجاوب من الأسرة الدولية.
والدور الإيراني الأبرز ما بعد الإتفاق، سيؤدي الى التعاون في محاربة الإرهاب والتطرف الذي كانت تراه أمثال “داعش” وغيره.
ودخلت إيران في عملية التفاوض من بوابة الجمهورية الإسلامية التي واجهت ومنذ 35 عاماً دول الغرب مجتمعة، أي أن إيران مازالت هي إيران القضية التي حاربت قوى الإستكبار العالمي ووقفت الى جانب حركات التحرر ودعمت المقاومة في فلسطين ولبنان، أي أن مكان إيران مازال في الصدارة وبأولوياتها ومصادر قوتها وشرعيتها المستحقة بفضل التضحيات التي قدمتها.
وصادق مجلس الأمن الدولي على الإتفاق وبالإجماع وأقرّه وتمّ التصويت على القرار 2231 الذي يمهّد لإلغاء العقوبات الدولية المفروضة.
ويستمر الصراع، والإتفاق لا يعني تغييراً في السياسة الإيرانية تجاه أميركا، والملفات الإقليمية الأخرى بقيت شأناً داخلياً في المنطق الدولي، ولغة الحوار هي قرار وجواب.
وإيران كما هي، مواقفها شفافة وواضحة في دعم المقاومة ومحاربة الإرهاب والعمل على منع قوى الإستكبار في التدخل في شؤونها الداخلية وفي المنطقة.
نقول، الطريق مازال طويلاً وهناك قضايا وملفات إقليمية ساخنة والوصول الى التعاون يمر عبر طرق العدالة والصدقية في محاربة الإرهاب وعدم التعامل بازدواجية المعايير، وأميركا مازالت قوة هيمنة لا يؤمَن جانبها وهي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني وهي مازالت تعتبر هذا الكيان حجر الزاوية في سياستها الشرق أوسطية.