للسياسة كلمتها المهمة وربما الفاصلة في تقرير مصير الاتفاق الموقع بين الجمهورية الاسلامية الإيرانية ومجموعة الدول الكبرى. القاعدة المعروفة تقول إن كل طرف في أي تسوية سياسية يسعى إلى تحقيق أقصى قدر من المكاسب، وأنه بقدر التوازن الممكن بين الربح والخسارة يحدد موقفه في النهاية. هذا بالضبط ما فعلته الولايات المتحدة وإيران في الاتفاق النووي ، وما ستفعلانه في الأسابيع والأشهر المقبلة سواء لتقدير مدى الالتزام بالتعهدات المتبادلة المنصوص عليها، أو إمكانية البناء على ما تم لتحقيق قفزات أخرى على صعيد العلاقات الثنائية أو التوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا الإقليمية.
هذا يعنى أن الاتفاق الخاص بالملف النووي الإيراني ليس أكثر من بداية يجب ان يعقبها خطوات أخرى تتجاوز الامور المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والتجارية.
فإذا كانت كل الأنظار تتجه إلى طهران حالياً لمراقبة ما ستفعله وفاء بتعهداتها، فإن الولايات المتحدة بدورها سيكون عليها القيام بخطوات وإجراءات مقابلة، فضلا عن دورها البناء من وجهة نظر الكثيرين لوضع حد امام الفلتان “الداعشي” الدموي المتنقل في عدد من البلدان العربية
وليس صحيحاً أن مكافحة التنظيمات التكفيرية المسلحة سيصب في مصلحة ايران وحلفائها في المنطقة ، لأن الغرب أيضاً والولايات المتحدة على وجه الخصوص سيجني هو الآخر مكاسب سياسية استراتيجية بعد ان وصل الخطر التكفيري الى قلب اوروبا وبات يهدد امنها واستقرارها وليس الهجرة غير الشرعية الى القارة العجوز سوى المؤشر الاخطر على التهديد التكفيري المتفاقم.
هذا الرأي عبرت عنه بوضوح سلسلة تقارير مهمة لكبريات الصحف الغربية عن مستقبل التنظيمات الارهابية ما بعد النووي الايراني كإحدى الوسائل المهمة والضرورية لتحفيز الدول الممولة للجماعات التكفيرية عن الاقلاع عن مخططاتها الاجرامية المتنقلة في كل من سوريا والعراق ومصر واليمن ولبنان وغيرها.
وتعتبر هذه الصحف الغربية أن إبتعاد التفكير الغربي والاميركي عن مخاطر الارهاب وضرورة اجتثاث بؤره التكفيرية سيكون خطأً استراتيجياً فادحاً، وستكون انعكاساته الجهنمية على الجميع.
وعليه ربما يكون الاتفاق النووي هو ثمرة هذه السياسة المنتظرة ودليل نجاحها. غير أن مرحلة جديدة قد بدأت بالفعل بعد توقيع الاتفاق وبالتالي فإن السياسات والآليات التي ستستخدم بعده على صعيد مكافحة الارهاب ومتفرعاته التكفيرية قد تختلف بالتأكيد عما اتبع قبله. الآن حان وقت الحصاد ، وإيران تعلم هذا جيداً وتنتظر أن تقطف الثمار.