في التطورات المتلاحقة في الشمال السوري وخاصة في منطقة تل أبيض، حيث الحرب على الإرهاب من ناحية، وفي التداعيات المترتبة على هزيمة “داعش” في معركة تل أبيض، إنعكاس ذلك على كافة الأطراف المنخرطة في الصراع مع تفاوت في الحسابات الميدانية والسياسية، وإذا أضفنا الى ذلك هزيمة “داعش” السابقة في عين عرب (كوباني)، بذلك سنكون أمام وضع جديد له ما بعده.
أهمية تل أبيض الإستراتيجية بسبب ما تشكّله من جسر لمحافظة الحسكة وبقية المناطق الكردية، وبعدها نحو مئة كلم عن مدينة الرقة، وارتباطها غرباً بمحافظة حلب، والأهم من ذلك، فإن تل أبيض كانت بوابة استراتيجية لتنظيم “داعش” الإرهابي وجسر عبور للقادمين من تركيا، من أولئك المجرمين الذين جندوا بمعرفة النظام التركي ومشروعه، وأهميتها الإقتصادية وهي تتحكم بالطرق التجارية وتهريب النفط المسروق الى الداخل التركي.
إن سيطرة “حزب الإتحاد الديمقراطي” الكردي على منطقة تل أبيض والمدعوم بالوحدات المقاتلة التابعة له، وما يمثّله من حالة ارتبطت عضوياً بالدولة السورية، هذا الأمر سيؤثر على تركيا “أردوغان” وخاصة في هذا التوقيت المهم، ولاسيما بعد فشل أردوغان في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في السابع من حزيران وعدم نيل حزبه “العدالة والتنمية” المقاعد البرلمانية الكافية التي تسمح له بتشكيل الحكومة التركية الجديدة بمفرده، وهناك بعد آخر لافت وضربة قاتلة لمشروع أردوغان العثماني، ألا وهو صعود الدور الكردي في تركيا بعد نجاح “حزب الشعوب الديمقراطية” من نيل 80 مقعداً برلمانياً في الإنتخابات الأخيرة.
وفي المشهد السياسي، ما جرى في تل أبيض وعين عرب وامتداداته الى بقية المناطق، سينعكس على الأوضاع الداخلية التركية وعلى العلاقات التركية – الأميركية، بحيث تصبح خسائر أردوغان باهظة التكلفة، والنتائج مرجحة لصالح الجانب الأميركي على حساب التركي، ووقائع الميدان سجلت رقماً قياسياً هاماً، إذا أضيفت الى نتائج المعركة الإنتخابية، ويعني عودة تركيا الى حجمها الطبيعي بعد سقوط رهاناتها على حرب تغذيها لزعزعة استقرار سوريا والصيد في الأحداث والأزمات.
والواقع الميداني الذي تكرّس على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، فإن الأخيرة لم تعد قادرة على التدخل في المنطقة بأي ذرائع جديدة، بعد أن انكشفت خطوط لعبتها، وستبقى خارج أي تواصل جغرافي مع المناطق العربية في سوريا والعراق.
واليوم كل الأنظار تتجّه نحو المرحلة اللاحقة، وهي استئصال أي وجود إرهابي مثل “النصرة” وغيرها مدعوم من تركيا في إدلب وجسر الشغور.
وإذا ما أخذنا الجغرافيا الجديدة من تل أبيض الى عين عرب (كوباني)، فإن هذه المناطق ستجد مكاناً مناسباً على طاولة القضايا نظراً لتأثيراتها في مجرى الصراع الدائر في المنطقة، وسقوط الدور التركي بالنسبة لحليفه الأميركي، وهناك حديث عن إخراج تركيا من حلف الأطلسي، ما يجعل الأمور مفتوحة على أحداث جديدة، ومغامرة جديدة يقودها أردوغان بعد أن إنكشف دوره في الحرب القذرة في المنطقة وعلاقته العضوية بتنظيم “داعش” الإرهابي، لكن الحسابات الجيدة هي تلك التي يملكها أصحاب القضايا المحقة والنظيفة المتمثلة في الدفاع عن كرامة الإنسان وحماية الأرض وهزيمة العدوان، والرهان الوحيد هو على قوة ومقدرة الجيش السوري وقوى الدفاع الوطني والمقاومة ممثلة بمحور المقاومة وما يعنيه ذلك في ظل الهجمة التي تتعرّض لها المنطقة.