نشرت وسائل إعلام عربية واجنبية تقارير وأنباء مكثفة في الأيام الأخيرة عن تطهير ديني ضد طائفة الموحدين الدروز في منطقة “قلب لوزة” في جبل السماق بسوريا بعد دخول ابو عبد الرحمن التونسي الذي ينتمي الى “جبهة النصرة” وارتكابه مجزرة شنيعة ذهب ضحيتها ما يقارب الاربعين شخصا من بينهم شيوخ ونساء واطفال .
هذه حقيقة مخزية لجميع من دعا ابناء بني معروف هذه الأيام بشكل مغرض لترك قراهم وتهجيرهم الى قرى راشيا وحاصبيا وغيرها من المناطق الدرزية في لبنان. . وذلك للتغطية على ما جرى سابقاً ضد الموحدين في جبل السماق حين هجروا ونهبت بيوتهم وأرزاقهم وتشردوا وتعرضت مقدساتهم للتدنيس على ايدي عناصر “داعش”،
، وتلبية لرغباتا لرئيس التركي اردوغان الذي يعتبر الداعم الأكبر للجماعات التكفيرية المسلحة وتحديدا في سوريا ويعمل على قلب الوقائعبما يخدم المشروع التدميري لجماعة “الاخوان المنافقين ” في المنطقة.
بصرف النظرعن نبرة الخطاب السياسي عند بعض الزعماء الدروز في لبنان ، بالترافق مع تأييده لمشروع “جبهة النصرة” بصرف النظر عن الجرائم التكفيرية التي تمارسها بحق الشعب السوري على مختلف تلاوينه الطائفية والمذهبية… رغم ذلك فإن الحديث عن دويلة أو دولة درزية في سوريا يبقى في إطار الشعارات والشعارات المضادة . وذلك بسبب عوامل ذاتية التوزع الديمغرافي المنتشر في مناطق تواجد الموحدين الدروز والتداخل السكاني والاجتماعي الكبير بينهم وبين اخوانهم في الوطن الواحد.
ليس من أجل مجاملة أحد أو إطلاق شعارات الوحدة الوطنية التي تبيّن كم هي واهية عند الكثيرين ممن يدّعون الوطنية والعروبة ، ولا من أجل طمأنة أحد ، أقول أن ليس هناك رغبة عند اهلنا في سوريا لتنفيذ هكذا مخطط بائس . فخيار الانتماء العروبي هو الانسب في المعركة الوجودية ضد الارهاب التكفيري وهذا ما تؤكده دماء آلاف الشهداء الدروز من عناصر الجيش العربي السوري ومن وحدات الحماية الشعبية الذين ضحوا في سبيل عدم وقوع مناطقهم تحت الاحتلال “الداعشي” والفصائل الارهابية الأخرى، لذلك تبدو فكرة “الحياد ” مستحيلة بعد ان سقط نتيجة كل هجوم تكفيري تتعرض له القرى الدرزية السورية ، كما اُثبن ان هذا “الحياد” وصفة انهزامية يصعب على الموحدين الدروز المشهود له بالشجاعة والجرأة والاقدام تقبلها.
وقد دَلّت الأحداث منذ اندلاع الازمة السورية اليوم أن لا حفظ لكرامات الناس من دون السلاح ، ولا عيش كريم من دون السلاح ، ولا استقرار من دون سلاح ، وبالتالي المدخل للعبور إلى الدولة وإنجاح العيش معاً وترسيخ الاستقرار يكمن في اتفاق جميع السوريين على حمل السلاح ضد تنظيم “القاعدة” و “داعش ” و “النصرة”.
لذلك فن الموحدين الدروز والحياد نقيضان يصعب التقاؤهما، والسبب في ذلك تكويني لا إرادوي، وذلك انطلاقاً من البعد الديني والتراكم التاريخي الذي يُسقط الحدود الجغرافية ويُعلي المفهوم الديني، وإلّا كيف يمكن تفسير استعداد دروز لبنان لمؤازرة دروز سوريا عسكرياً؟
فأولوية مناصرة الاخوة في التوحيد والوقوف الى جانب ابناء جلدتنا في سوريا تتصدر الأولويات الوطنية والقومية والكيانية، وهذه حقيقة يجب الإقرار والتسليم بها.
ومع استحالة العودة إلى مبدأ الحياد بعد هجوم التكفيريين على “قلب لوزة” أصبح لزاماً على الموحدين الدروز عدم التكيّف مع دعوات “الاذلال” التي تطلق من هنا وهناك والاعتماد على المواجهة الشاملة التي تعني الانصراف إلى شؤون بَيتهم عبر تقوية نفوذهم بانتظار ان تنقشِع ظروف المواجهة في المنطقة وما ستؤول إليه.