الحرب مستمرة ضد أمتنا، أهداف المشروع الإستعماري لم تتغيّر في الحسابات الإستراتيجية ونحن في أوج المواجهة، وكل شيء يجري في العلن بعد أن انكشفت الأدوار المرسومة لتسويق ما يسمى “الإسلام السياسي المعتدل” من خلال رموزه المؤطرة في المنطقة وبوكالة تركية وقطرية، أضيف إليها السعودية وذلك لتوحيد جهود تلك القوى.
وأصحاب هذا المسشروع ارتبطوا تاريخياً بالمشروع الإستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة، وذلك بعيداً عن مصالح الأمة وعوامل نهضتها وتقدمها وهم لا يملكون أي خطة حقيقية للنهوض وربط الحاجات الاقتصادية والإجتماعية من خلال مشروع سياسي ورؤية واضحة تخدم قضايا المواطن العربي وقضايا الأمة.
أثبتت الأحداث، أن أصحاب هذا المشروع قد امتلكوا الرغبة في تهميش القوى المدنية وتعميق الإستقطاب والإحتقان السياسي والمجتمعي، وهم حاولوا التغطية على ضعفهم السياسي وحقيقة أدوارهم من خلال خلط الأوراق وتجاوز قواعد اللعبة السياسية في بحثهم عن مصالحهم الخاصة من خلال ارتباطهم بقوى خارجية تتحالف مع الكيان الصهيوني، فأضاعوا البوصلة المتعلقة بالمفاهيم الوطنية ومصالح الأمة، وأدخلوا البلاد في صراع محموم واستخدموا مفردات في غير محلها تتقاطع مع التكفيريين والأفكار الهدامة، وشكّلت محصلة أعمالهم بيئة حاضنة للإرهاب من خلال خطاب طائفي شرذم المجتمع العربي، وأطلق العنان لقوى الشر المتربصة لتطل برأسها في كل مكان، وصولاً الى التحالف مع أصحاب المشروع الإستعماري وأدواته، أي الإستقواء بالأجنبي الذي مازال يقدم إليهم كل أسباب البقاء، واختفى الجانب الأخلاقي في سلوكهم وتلاقى ذلك مع إنحطاطهم الفكري.
وفي أتون الصراع الذي يدور في المنطقة، كان لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما في كامب ديفيد مع ممثلي دول مجلس التعاون الخليجي، ما شكّل مفصلاً هاماً وخطراً: الأهمية بسبب الفوائد الكبيرة للولايات المتحدة، والخطورة بالنسبة للمصالح الحقيقية للأمة، تلك القمة كشفت بوضوح أن الهدف الأساسي للسياسة الأميركية في المرحلة الحاضرة، هي السيطرة التامة على المنطقة العربية وخاصة في الخليج من خلال تواجد قوات أميركية ضاربة ممولة من عائدات النفط والغاز وهدفها الأساس حماية المصالح الإستعمارية وتأمين الحماية لتلك الدول التي سلّمت أمرها وأمنها للأجنبي، هذا سيجعل “إسرائيل” في النهاية أكبر قوة عسكرية لأميركا بعد قوات حلف الأطلسي في أوروبا، وفي هذا المخطط يتم استهداف مصر من خلال محاولة استدراجها الى دور لا يليق ببطولات جيشها وتاريخها العروبي، أي استخدام القوة العسكرية المصرية في معارك هامشية في اليمن، وبعيداً عن قضايا الأمة وأولوياتها.
وفي المشهد الإقليمي وفي الميدان، كانت هناك العملية الإستراتيجية للجيش العربي السوري وقوى المقاومة للإمساك بتلال القلمون وهي خطوة تعني قطع الطريق على العدو الصهيوني نهائياً في أي حرب مقبلة، أي أن محمور المقاومة يؤكّد على ترابط الجبهات والقدرة على ترجمة الميدان في السياسة.
إن ما يجري في الشمال السوري في هذه الآونة، إنما يشير الى حالة الإصطفاف السياسي (التركي – القطري – السعودي) ومحاولة صرف هذا في الميدان في كل من إدلب وجسر الشغور، وكمحاولة لصرف الأنظار عن الخسائر التي مُنيت بأصحاب هذا المشروع في مصر وتونس وليبيا بالإضافة الى العراق، ويلعب هؤلاء ورقتهم الأخيرة في المنطقة من خلال التمويل والتسليح والتدريب ويدعمهم في ذلك الجانب الأميركي، وهدفهم في ذلك حجز موضع قدم في التسوية القادمة وفي بعدها استجداء دور في المنطقة.
لكن مثل هذه الحسابات تصطدم بإرادة وقدرات محور المقاومة الذي يملك مشروعاً متكاملاً يضع مصالح الأمة في المقدمة وله أولوياته ورؤيته المختلفة، ولذلك يستمر الصراع.