في ظل ما تشهده المنطقة العربية من حروب عسكرية طاحنة وقتل وتهجير وتدمير واعتداء على الحضارات الانسانية اسئلة كثيرة تطرح على عدد من المثقفين والمفكرين العرب في الوقت الحاضر الذي تعيشه امتنا العربية فيما نرى العديد من هؤلاء منشغلون في نحت هياكلهم الفكرية من مثل الديمقراطية والمدنية والعلمانية والعدالة والعروبة والمساواة والوطنية وغيرها من المفاهيم الاخرى من دون الخوض في الرد على اسئلة مهمة جديدة طرحتها نتائج “الربيع العربي”،التي تعصف رياحه ودماءه وآثاره التدميرية والتهجيرية في العديد من البلدان العربية .
هناك سؤال يطرحه على انفسهم يومياً الكثير من المواطنين والشباب: إنه سؤال الفوضى.
إنهم يقولون إن أحداث السنوات الأربع الماضية قد أظهرت أن الانتقال إلى التداول السلمي للسلطة قام على مبادئ الغلبة والاستئثار بالسلطة والاجرام والتهجير والتنكيل والاعتداء وغيرها من الاسليب البشعة الاخرى . ومن أجل إضفاء الشرعية على ذلك كان لابد من الاعتماد على جماعات التكفير والارهاب مثل جماعة ” الاخوان المسلمين ” و”داعش” و”جبهة النصرة” التي غالبا ما تلجأ الى اساليب عرقية أو مذهبية أو قبلية لتحقيق مآربها المصلحية البحتة .
ونتيجة لكل ذلك وجدت في مقابلها جماعات أخرى ترفض الغبن والظلم والتهميش، وهي تختزن في باطنها الجمعي غضباً يجعلها غير قادرة على السماح بالفوضى والاعتداء على البنية التحتية للدولة وتهديد امنها واستقرارها فقط لمجرد المشاركة في السلطة ولرد المظالم وإنهاء التهميش
ويطرح ذلك الواقع العربي سؤالاً آخر يتعلق بكيفية التعامل مع الجماعات المتطرفة الممتدة في القرون العدة الماضية وكيفية احتواء ذلك، بتراضٍ ومن دون عنف، في الأنظمة الديمقراطية المستقبلية .
من هنا يتساءل هؤلاء المواطنون والشباب عن نوع من الديمقراطية الانتقالية، المبنية على التصالح والتشارك والتمثيل الانتخابي في آن واحد، بحيث تكون مدخلاً مؤقتاً لوقف حد للفوضى المستشرية ويسبق الوصول إلى الديمقراطية الناضجة
هنا يأتي الدور المطلوب للنخب العربية والمفكرين وهو تقديم إجابات عن تلك التساؤلات في القريب العاجل . ولعلهم ينطلقون للوصول إلى الإجابات المطلوبة من دراسة نقدية لبعض محاولات الربيع العربي التدميري التي تشهده سوريا ومصر وتونس وغيرها من البلدان العربية وصولاً إلى تصورات قابلة للتطبيق ومؤدية في النهاية إلى انتقال مجتمعاتنا العربية إلى ممارسة الديمقراطية السليمة وتأمين العدالة الاجتماعية والوفرة الاقتصادية التي طرحت “المعارضات العربية” بعضاً من شعاراتها
إن الحفر في الأشكاليات التي تطرحها تلك الأسئلة يجب أن يوضع في قمة الأولويات . لأن عدم تقديم إجابات مقنعة وعملية منهجية سيبقي المواطنين، محلياً وعربياً، في حيرة وبلبلة تؤدي إلى استسلامهم لحالة اللامبالاة والخوف التي هدفت الحركات الشعبية خروج الأمة منها .
إن معرفة الأهداف الوطنية والقومية الكبرى والإيمان بها من دون معرفة منهجية ومراحل التوجه إليها والوصول إلى تحقيقها هو وضع غير صحي ومدمر للاوطان والشعوب فيما تبقى مهمة المفكرين والمثقفين العرب ألا يسمحوا بدوران امتنا في تلك الدائرة المفرغة والمرعبة.