يبدو بأن مسرحية ما يسمى “الربيع العربي” مازال عرضها مستمراً منذ أكثر من أربعة أعوام، هذا الوصف ليس جزافاً ولكنه يتعلق بالوقائع والحقائق على الأرض، وفي أحداث اليمن الأخيرة والعدوان الذي يستهدف الشعب اليمني وتطلعاته المشروعة في حياة أفضل من خلال نهضة اقتصادية وتنموية تدفع البلاد نحو مستقبل أفضل والخلاص من مشاكل اليمن وفي معظمها داخلية تتلخّص في الإرهاب والإقتصاد والتنمية والسياسة.
وهناك اليوم مَن يسوّق السلبيات ويغذي الضغائن والأحقاد ويرسم مساراً للأحداث ويشبّه العدوان المبيت ضد اليمن وكأنه إنتصار ساحق للعرب وللسعودية بالذات، ويدّعي بأن ما يحصل للعالم العربي في أعقاب ثورات الربيع ليس متغيّراً نهائياً، وإنما جزء من عملية تاريخية في حالة سيولة وحركة مستمرة لا يستطيع أحد التنبؤ بما سترسو عليه أخيراً.
من هنا جاءت المفاجأة بعملية “عاصفة الحزم”، ومثل هذا يعني، أن الرهانات مازالت متواصلة على دور سعودي في المنطقة هو أكثر وضوحاً في تبعيته للمشروع الأميركي الذي يستهدف المنطقة والإنتقال الى مرحلة جديدة في خدمة هذا المشروع وهو القيام المباشر بالنيابة عنه في شن العدوان بدلاً من الأدوار المكملة وهنا خطورة ما يجري على المنطقة، وما كان يجري في السر أصبح يجري في العلن ومن خلال تبنٍ كامل للرؤى والسياسات والمشاريع التي تستهدف أمتنا.
يحلو للبعض وصف “تحالف عربي إسلامي” لإعادة الشرعية الى مكانها في اليمن، ويتباهى البعض بحجم “التحالف” وإقدام السعودية على القيام بدورها وحماية مصالحها عسكرياً وسياسياً ومثل هذا العمل هو خارج التوقعات.
ويرى آخرون “أن وجود القدرة العسكرية للدولة مع غياب إرادة سياسية لتفعيلها وتوظيفها يلغي فعاليتها ويجعل منها قدرة معطلة، وأن إرادة القرار اختارت لحظتها”، أن مثل هذا الوصف يكشف حقيقة القدرات المذكورة، والشيء الذي يثير الإستغراب في هذا الوصف، ما يتم تسويقه بأن عملية “عاصفة الحزم” أعادت التوازن الى المشهد، وفي حقيقتها أوضحت الأمور كما هي دون مواربة على ماهية هذا الدور التدميري.
ومن ناحية أخرى، يرى البعض بأن عملية ما يسمى “التحالف” سبقت إرهاب “القاعدة” في التصدي للثورة اليمنية، أي أن الدور واحد والعملية إستباقية وهذا أكثر من الوضوح ويكشف الحقائق والأهداف.
وأهداف العملية واضحة أيضاً تتمثّل في تدمير قدرات اليمن وإضعافه وكذلك إخراج الرئيس السابق علي عبدالله صالح وابنه من اليمن ومن العملية السياسية، وإبقاء الحظر الجوي فوق اليمن وجعل الموانئ اليمنية منطقة محظورة وتحت السيطرة البحرية لقوى التحالف وإخضاع كل السفن للتفتيش، ووضع برنامج سياسي من قبل الفرقاء، أي قيادة العملية السياسية في البلاد كقوة هيمنة.
واللافت هذه المرة بأن قرارات “القمة العربية” كانت سباقة في التنفيذ ولم تنتظر إنعقاد القمة، إنما جاءت قبلها بقليل وفي هذا تطور هام لأن المستهدف هو بلد عربي، وليس التصدّي للعدو الصهيوني من خلال القرارات الورقية كما جرت العادة، ألم يكن الأجدى في فك الحصار عن غزة بدلاً من تدمير بلد عربي يحتاج الى الكثير من أجل عملية تنموية مستمرة، وهل هذا هو التضامن العربي قولاً وعملاً كما قال بيان القمة العربية، وهل هكذا تواجه التحديات الماثلة؟
ذرائع العدوان واهية، لكنها مجرد أحاديث وحجج لا تستقيم مع الوقائع وهي تبرير لإعادة الرئيس عبدربه منصور هادي رغم تقديمه الإستقالة رسمياً، أليس هذا استهتاراً بالشعب اليمني، وهذا يشير الى نتائج وسياسات خاطئة وفشل متراكم، هي مَن أوصل المنطقة الى هذا الوضع المأساوي في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا، ويبدو أن الفشل الذي أصاب السياسة السعودية في اليمن، هو ما دفعها للتفكير بهذه الوسيلة وتسخير عدد من الدول العربية والإسلامية للقيام بهذه المهمة، وفي ذلك تغيير لمضمون الأمن القومي العربي ليصبح أمن الحكام، الذين يرهنون أدوارهم، لخدمة المشروع الأميركي – المتصهين في المنطقة.