منذ أحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة وما تلاها من غزو أفغانستان والتورط الأميركي هناك، وما أعقبها من غزو العراق، لم تشهد المنطقة استقراراً، وصور القتل والدمار والخراب تواصلت وكأنها أشبه ما يكون بسيناريو مرسوم بدقة وهدفه إثارة حالة من عدم الإستقرار والسيطرة الأميركية المباشرة على آبار النفط والغاز.
ولتسهيل عملية النهب الإستعماري هذه، استمرّ العدوان بأشكال مختلفة لتنفيذ ما عُرف بمشروع “الشرق الأوسط الجديد” الأميركي، للسيطرة على المنطقة وتأمين أمن الكيان الصهيوني، لذلك يتم استهداف سوريا من قبل حلف أميركي – صهيوني رجعي وبأدوات رخيصة.
ما أشبه اليوم بالأمس، يستمر المشروع الأميركي – الصهيوني، منذ سقوط بغداد عام 2003 وبالحرب على لبنان عام 2006 والعدوان على غزة والضفة الغربية من أجل تكريس الهيمنة الأميركية والإسرائيلية وتصفية القضية الفلسطينية.
أراد الإحتلال الأميركي آنذاك، إشعال المنطقة بحروب دينية ومذهبية، وزرع ثقافة الإنتقام بين أبناء الدين الواحد، وتأليب الأخ على أخيه في أبشع صوره وبطريقة فجة أقرب ما تكون الى الإخراجات “الهولوودية”، أن الضرب على أوتار الحس المذهبي والطائفي هو أسلوب استعماري قديم وجديد في آن واحد، يجري الترويج له من خلال صور القتل والتوحش “الداعشي” الذي يستفز الطوائف والمذاهب، باستثناء اليهود، ويتم استهداف مبرمج لضرب المكونات ببعضها، والهدف إشعال المنطقة بحروب دينية ومذهبية، لذلك جاءت “داعش” لتنفيذ المهمة، وهناك في وسائل الإعلام الأميركية والغربية مَن يروّج لصور القتل رغم قسوتها والهدف ضرب ما تبقى من تماسك بين كافة المكونات في المنطقة وما يجري من ذبح على الهوية المذهبية والطائفية، وفي هذا المجال نقول: “رفض الإعلام الأميركي بث الصور المفزعة في أحداث 11 أيلول عام 2001، ولكنه يتسابق اليوم على الترويج لصور “داعش”، والهدف إحداث التأثير المدمّر والترويج لفكرة سياسية هي أشد قتلاً وتوحشاً من طريقته في ذبح البشر، وعبر رؤية إعلامية دعائية، محترفة ومتقنة، و”داعش” يختار ضحاياه بطرق طائفية ومذهبية لزيادة عامل الإثارة والإنتقام المضاد.
وتبقى التساؤلات ذاتها، كيف لهذا التنظيم الإجرامي الذي نشأ فجأة وامتلك الإمكانيات وتمدّد بسرعة في شمال العراق وشرق سوريا ووصل الى ليبيا ومرشح للإمتداد الى أبعد من ذلك، ومارس القتل والتهجير بمنهجية، وعاود تكرار مشاهد استعباد البشر وتدمير التراث وصار له نفطه، ويجنّد آلاف الشبان من دول على امتداد الأرض، إنه ليس لغزاً، إنه ثمرة المشاريع والمؤامرات والأفكار الهدامة التي تستهدف المنطقة.
أين الإسلام من أفعال وجرائم مَن يدعون الإسلام ويرتكبون أبشع المجازر في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن وغيرها، ولماذا تسكت الأنظمة المرتبطة بالعجلة الأميركية والاستعمارية عموماً عن تلك الأفعال الشنيعة، إنه سؤال برسم المواطن العربي في كل مكان، الصورة واضحة ولا تحتاج الى توضيح، ولكنها تحتاج الى مواقف مبدئية تقرن الأقوال بالأفعال، وليس على شاكلة ما سموه “التحالف الغربي – العربي” الذي يعمل على إطالة الأزمة وتدمير كل مقومات القوة والنهوض في أمتنا، وتأمين الأرضية المناسبة لإعادة تقسيم المنطقة كمواقع وثروات ووأد عوامل القوة والإقتدار والمقاومة.
الصراع مستمر وهو يفرز في كل يوم ما كان في الأدراج والنوايا الخبيثة، ويقاوم أبناء أمتنا، هؤلاء الشرفاء الغيارى الذين لا يقبلون الضيم، والنصر النهائي سيتحقق إن عاجلاً أو آجلاً، وهو قانون طبيعي أثبتته الأعراف والتجارب وكرامة أبطال المقاومة الذين يرفعون النصر وكلمة الحق مهما كانت التضحيات.
إنه وعد الصادقين، وهو وعد الحق والأفعال المشرفة.