يبدو أن خارطة التحالفات قد بدأت تتشكّل من جديد في منطقة الشرق الأوسط وفي ساحات الصراع الساخنة، ويأتي ذلك على خلفية التحولات الجارية والإنهيارات المتواصلة في النظام الإقليمي، الذي فقد التوازن بين مكوناته وأصبح التغيير حاجة ضرورية.
وفي المشهد الإقليمي، ظهرت مصر كلاعب أساسي، لكن المرحلة إنتقالية ومفتوحة على احتمالات عديدة الى حين ينتهي التموضع الذي بدأ في التكوّن.
مصر أخذت قرارها في محاربة الإرهاب وبطريقتها وبما يتناسب مع مصالحها ودورها المأمول كرافعة حقيقية في عالمنا العربي، والهدف محاربة “داعش” في ليبيا وحماية نفسها من المخاطر المحدقة، وقد وجهت ضربة جوية لمواقع الإرهابيين في “درنة” ليبيا كثأر لمقتل العمال المصريين وبطريقة وحشية أثارت الرأي العام في مصر والعالم، وفتحت الأبواب على تصعيد أكثر قوة في المنطقة.
وعند هذه الفاصلة، خرجت بعض الأصوات من دول تدعي أنها تدعم مصر من أجل مستقبل مصر ودورها العربي، والحلفاء المفترضين أولئك، أعطوا إشارات واضحة بأنهم لا يؤيّدون حرباً تشنّها مصر على معاقل “الدواعش” في ليبيا، هذا هو حال الموقف الرسمي السعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام، وسارعت دول الغرب وواشنطن أيضاً، وأعلن هؤلاء تحفظهم على تشكيل قوة عربية موحدة لمحاربة الإرهاب وذلك نظراً الى أبعادها ومخاطرها على مصالح تلك الدول كما يقال، وترغب هذه الدول بحل سياسي للنزاع في ليبيا، وأعطت الأولوية لجهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة بين قوات “فجر ليبيا” المرتبطة بـ “الإخوان المسلمين” والمدعومة من قطر وتركيا وبين قوات اللواء حفتر المدعومة من مصر ومن (السعودية فرضاً).
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، مواقف الدول الغربية والولايات المتحدة بدأت تؤثر بشكل أوضح على مواقف السعودية، أي لا لمحاربة الإرهاب من خلال قوة عربية موحدة وهذا يقودنا الى المزيد من التساؤلات، حول “داعش” من المنشأ الى الدعم الى الإستثمار؟ وهل ستسعى بعض الدول مثل السعودية ودول الخليج لإعادة تموضعها في محور قطر – تركيا وما هو ثمن ذلك؟ وماذا عن مصر وتحالفاتها المفترضة؟ وأين “إسرائيل” في كل ما يجري وهي التي أُنشِئت لتقسيم العرب وتفتيت قوّتهم أو منعهم من كل أسباب القوة؟
يبدو أن الرهان على تقارب “عربي – عربي” أصبح بعيد المنال في ظل مكونات مازالت تراهن على المشروع الإستعماري الأكبر كي تحافظ على مصالحها الضيقة وعلى حساب مستقبل الأمة العربية والإسلامية، أي أن حالة الهوان والضياع مستمرة الى حين.
والسؤال ما هو الدور المأمول لمصر العبور والوحدة العربية؟ وأين هو الحل العربي لمشكلات المنطقة وأزماتها؟
الرهان على مصر لم يتغيّر وهي في ضمير كل مواطن عربي شريف وغيور على أمته.
التقارب “السعودي – القطري” لم يأتِ من فراغ، هو القديم الذي يتم تجديده اليوم، وهو تتويج لسياسة اعتُمدت من أجل تغيير إتجاه البوصلة مرة واحدة وفي وقت بالغ الدقة والحساسية وبغير ما يشتهي المواطن العربي، واللافت أيضاً هو المباركة الأميركية لهذا التقارب ورهان جديد قيد الفشل.
إن التباكي على مصر من قبل مَن يدّعون بأنهم “الحلفاء” ومن خلال بعض الأقلام، هو وصفة لحرص مزيف هدفه منع مصر من القيام بدورها ومنعها من محاربة الإرهاب في جوارها الليبي، والهدف من وراء ذلك إرضاء قطر المتواجدة هناك عبر “الإخوان المسلمين”، وهم بذلك يحاولون تهميش الدور المصري من الناحية المعنوية لمصلحة الحسابات “التركية – القطرية”، أي أن السعودية بدأت فعلياً في التموضع في هذا المحور وذلك إصطفافاً مع المشروع الأكبر في المنطقة.
ويريدون من مصر دوراً مختلفاً من خلال إسناد عسكري على حدودها مع اليمن ومع العراق، وهذا ترجمة للتحالفات المستجدة مع قطر وتركيا وهي تبغي انتزاع تنازلات داخلية من مصر تحت عنوان “المصالحة” ما بين النظام و”الإخوان”، ومن هنا كانت الموافقة على دور لتركيا في شمال سوريا كخطة استباقية لخلط الأوراق من جديد، ويقابلها منع الدعم عن مصر والضغط عليها كي لا تقوم بالقصاص من مجرمي الحرب (الدواعش) وغيرهم مراعاة لتركيا وقطر.
والسؤال، أين مصر من كل هذه الترتيبات الجديدة؟ بالتأكيد فإن مصر لن تنجر الى خسارة مكانتها المعنوية ودورها وهي لم تنظر يوماً بعين فئوية وطائفية ضيقة، بل كانت رافعة للنهوض العربي، ولن تنطلي عليها اللعبة الجديدة والقديمة في آن، وفي منطقة تغلي ومليئة بالتحديات والمخاطر، نحن أحوج ما تكون الى مقاربة جديدة تضع المصلحة الإستراتيجية للأمة فوق كل اعتبار وبعيداً عن لعبة الأدوار والرهان على مشاريع استعمارية ثبت فشلها في كل مكان.