شكلت الغارات التي شنتها الطائرات المصرية على مواقع الجماعات التكفيرية في درنة شرقي ليبيا التي تعد معقلا للجماعات المتطرفة المسلحة في السادس عشر من شباط\فبراير 2015- بعد ساعات من بث تنظيم “داعش” تسجيل فيديو يُظهر ذبح 21 عاملا مصريّا مسيحيّا- تطورا نوعيا في نمط المواجهة المصرية لجماعة “الاخوان المسلمين “المتصاعدة داعشيا من الجوار الليبي .
لم تكتف الحكومة المصرية في عملية الرد على الاجراءات العسكرية فحسب ،بل واكبت هجومها الجوي على “داعش” بتحرك دبلوماسي على صعيد مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة الأربعاء 18شباط\ فبراير 2015 لطلب رفع حظر السلاح عن حكومة طبرق، وتقديم المساعدة اللازمة لبناء جيشها، حتى تتمكن من التعامل مع الجماعات التكفيرية المسلحة ، والطلب بتشديد الرقابة البحرية والجوية على منع وصول السلاح إلى كافة الميليشيات غير الحكومية، والأطراف المرتزقة وغير المنتمية للدولة الليبية ،ولكن من دون وصول الطلبين المصريين الى طلب ثالث يقضي باستصدار قرار من الأمم المتحدة يمنح تفويضًا بتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا وهو ما كان قد طرحه الرئيس السيسي مع بدائة الازمة.
ورغم الإدانات الإقليمية والدولية لمقتل المصريين في ليبيا، فإن الطلبات المصرية لم تلقَ استجابة الولايات المتحدة والدول الاوروبية بالاضافة الى الأمم المتحدة التي اتخذت اتجاهًا مغايرا لارادة المصريين وتفضل فيه الحوار السياسي بدلا من اللجوء الى الخيار العسكري كمدخل لمعالجة الأزمة الليبية، وهو ما يجعلنا نتساءل عن السياسة المصرية تجاه ليبيا في المرحلة المقبلة.
على أن الأمر الأبرز هو استمرار حالة اللا حسم العسكري، فلا نصر، ولا تراجع كامل في ميادين القتال في ليبيا، على ضوء عدم قدرة عملية “الكرامة” وحلفاؤها بمجلس نواب وحكومة طبرق، والقوات النظامية التابعة لها، التطهير الكامل لبنغازي من الجماعات الارهابية المسلحة، كما لم ينجح أيضًا معسكر “فجر ليبيا” وحلفاؤه من الإسلاميين، ومصراتة، والزاوية، وبعض مجموعة الأمازيغ في حسم القتال في غربي ليبيا ضد ميليشيات القبائل من الزنتان، وورشفانة المتحالفة مع عملية الكرامة.
بالمقابل واجه المسعى المصري لرفع حظر السلاح عن حكومة طبرق -المعترف بها دوليا- ومنعه عن منافسيها، سواء من الحكومة، أو الميليشيات الموازية، اتجاها دوليا وإقليميا مضادا يرفض التدخل العسكري، ويفضل الحل السياسي، عبر دعم الحوار الوطني الذي يقود جولاته مبعوث الأمم المتحدة، برناندينو ليون، بغية التوصل إلى حكومة توافق وطني.
ليست هي المرة الأولى التي ترفض فيها اميركا وحلفائها الغربيين التدخل العسكري في ليبيا، بعد ان طالب نواب طبرق الأمم المتحدة بالتدخل الدولي في أغسطس 2014 ولكن دون أي استجابة، والسبب يعود برأي عدد من الاستراتيجيين الى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدركان أن التورط في المستنقع الليبي ، بشكله الميليشياوي، وجغرافيته المترامية، يشكل ثمنا لا أحد في الغرب مستعد لدفعه على الأقل في الوقت الراهن، خاصة أن تغيير موازين القتال في ليبيا يستلزم قوات برية ستواجه بعدو غير واضح، وتشظٍّ للميليشيات في جغرافيا معقدة، وغياب ظهير سياسي حكومي متفق عليه على الأقل، كما توافر في حالتي شمال مالي والعراق، بل وحالة ليبيا عندما تدخل الناتو في 2011 لمساندة المعارضة المسلحة التي كانت مصطفة آنذاك في مواجهة نظام القذافي.
وعلى غرار المواقف الدولية المساندة للحل السياسي، طرحت الحكومة الجزائرية نفسها كوسيط في ليبيا عندما دعت الى ضرورة التعامل مع الجماعات المسلحة الذين يسيطرون على طرابلس ،داعية الى تغليب الحوار الوطني كحل للازمة الليبية ،
بل إن اللافت هو انفتاح الجزائر -على خلاف مصر- على الحوار الإقليمي مع قطر التي زار أحد مسئوليها الجزائر للتباحث حول أزمة ليبيا بالاضافة الى تركيا التي زار رئيسها أردوغان الجزائر في نهاية السنة الماضية .ولا تختلف تونس عن موقف الجزائر في تأييدها للحل السياسي، إضافة إلى المغرب التي من المحتمل أن تستضيف الجولة القادمة من الحوار الوطني الليبي الذي فشل حتى الساعة من تحقيق نتائج ملموسة او التوصل الى اتفاقات محتملة.
وعلى ضوء البيئة الإقليمية والدولية غير المتفقة مع مصر على مسألة الحل العسكري، أو رفع حظر السلاح عن حكومة طبرق، ربما لا تستمر مصر في اعتماد الخيار العسكري المنفرد ضد ليبيا، وإن كان لا يمكن استبعاد تكراره، بل واحتمال تطويره لعمليات خاطفة تجاه بعض الجماعات الجهادية في شرق ليبيا،.
ولذا، فإن المسارات المحتملة للسياسة المصرية تجاه ليبيا بعد الهجوم الجوي ربما تتجه إلى مجموعة مسارات متزامنة:
زيادة التعزيزات الامنية والاجراءات الوقائية عند المناطق الحدودية مع ليبيا مع تمسك مصر بخيار الضربات العسكرية ان تعرضت مصالحها لخطر جديد .
تخفيض اعداد العمالة المصريين في ليبيا.
تقديم كل اشكال الدعم لحكومة ومجلس نواب طبرق لمواجهة الميليشيات التكفيرية.
تقليص مسافة الخلاف بين مصر والدول العربية المجاورة لليبيا وتحديدا الجزائر التي تربطها علاقات متميزة مع القبائل في المناطق الجنوبية والغربية في ليبيا.
تزويد الجيش المصري بطائرات متطورة لملاحقة الجماعات المتطرفة في ليبيا .
فهل ستكون مصر اكبر من كل “المنافقين” وتكمل ما بدأه الجيش السوري في مواجهة الجماعات التكفيرية المسلحة واجهاض مشاريعهم التدميرية وضرب مخططات التقسيم والتفتيت التي مازالت تعشعش في رؤوس الكثر من الواهمين والحالمين بمستقبل سيطرة الظلاميين على مقدرات الامة وخيراتها ؟