تخوض سوريا الحرب ضد التكفيريين الذين هم أحد الأدوات التي استخدمت من قبل أعداء أمتنا العربية والإسلامية، وهي بذلك تدافع عن قضايا الأمة جمعاء وفي مقدمتها القضية الفلسطينية حيث يريد الأعداء تصفيتها وطمسها نهائياً كقضية شعب وحقوق.
فإنتصار سوريا هو انتصار لمحور المقاومة الذي سيتمكن من خلق معادلة جديدة في المنطقة وصولاً الى تغيير التوازنات الدولية لصالح قوى التحرر التواقة الى نيل حريتها وتحرر أوطانها من التبعية المقنعة لقوى الاستعمار الجديد بكافة أشكاله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذا سيسمح لفلسطين التمسك بثوابتها الوطنية والقومية وبعيداً عن الضغوط الأميركية واستخدام كافة الخيارات المتاحة لدحر الإحتلال الصهيوني عن أرض فلسطين.
وسوريا تدفع العدوان عن أرضها وشعبها في تحالف راسخ مع حلفائها، وأهدافها واضحة وهي تبحث عن حل للأزمة التي خلقها أعداء سوريا وأدواتهم في المنطقة، والحل الذي تراه هو الذي يحقق مصالح الشعب السوري ويأتي من خلال الحوار فيما بينهم وبعيداً عن التدخلات الخارجية المعادية، وهي ستواصل هذا المسعى حتى يتوّج بالإنتصار على الإرهاب وقطع دابر المؤامرة التي يواصل أطرافها تآمرهم على سوريا، وبغطاء غربي تقوده الولايات المتحدة وتشكّل غطاء لإستمرار الحالة الراهنة وهي بذلك تريد استنزاف سوريا وإضعافها وتفتيتها.
ولم يدرك أعداء سوريا، بأن حربهم المجنونة ضدها، سترتد عليهم وستذوق بلدانهم شر ما صنعته أياديهم، وتستمر سوريا في صمودها ومقاومتها العدوان ولا خيار أمامها إلا الإنتصار على الإرهاب، ويحقق الجيش العربي السوري نجاحات عدة على الأرض (إذ بلغ عدد قتلى “داعش” و”النصرة” الذين سقطوا بنيران الجيش أكثر من عدد القتلى الذين سقطوا في ألف غارة قام بها التحالف العربي الدولي).
إن إنتصار سوريا في مواجهة الإرهاب وصانعيه سيمكنها من تحقيق إنجازات هامة وهزيمة الغطرسة الأميركية والغربية عموماً وإفشال أهداف العدوان التي لا تتوقف عند حد معين والأطماع تتجاوز أي حيز مفترض وتشمل ثروات المنطقة ومواقعها الإستراتيجية وصولاً للتدخل في رسم مستقبل الأجيال بما يلائم المصالح الإستعمارية في الهيمنة والسيطرة.
أثبتت وقائع الميدان، بأن سوريا تملك كل خياراتها وهي متاحة وهذا ما يمكّنها من حسم المعركة ضد أعدائها بكل قوة وجدارة، ورغم الحرب التي شنّت عليها خلال السنوات الأربع الماضية، وهي تسعى الى تحقيق أهدافها في وأد المؤامرة وضمن رؤية واضحة، وهي لا تستعجل أي حل يسمح بتقديم تنازلات تحت عنوان التسويات المطروحة، وهي تختار الوقت المناسب لطرح أفكارها وتترك الى الميدان الكلمة الفصل، وهي ترى أن الظروف مازالت غير ناضجة في ظل غياب عملية سياسية واضحة، ورغم ذلك تتصرف بإيجابية وتستمع الى رؤى وأفكار الأصدقاء والحلفاء، وهي تؤكّد أيضاً، بأن المصالحات الوطنية هي أفضل السبل لتفويت الفرصة على الأعداء وأدواتهم، وهي المدخل الحقيقي نحو حل يأتي لمصلحة السوريين من خلال الحوار فيما بينهم.
واستقبلت سوريا المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وعبّرت عن استعدادها لدراسة أفكاره بغض النظر عن حساباتها العملية، حيث يتمكّن جيشها الباسل من تحقيق إنجازات هامة على الأرض، وهي تعي التوازنات الإقليمية والدولية وجوهرها ومسارها اللاحق، ومن هنا تميّزت السياسة السورية بطول النفس والرؤية البعيدة، لذلك انطلقت من حساب دقيق لمكونات الصراع وحدّته ومآله اللاحق وصولاً الى نقطة الإنعطاف التي تشير الى ضرورة البحث في مخارج جدية لتجاوز الأزمة، ومع تقاطع إقليمي ودولي من الناحية السياسية لمحاربة الإرهاب بتجلياته وتداعياته كافة.
لكن عدم الجدّية في محاربة الإرهاب والإستمرار في دعمه من قبل الآخرين، يعني استمرار الصراع وتفريخ حركات متطرفة جديدة: فالأطراف المشاركة في الصراع، إضافة الى عجزها عن تقديم حلول سياسية ناجعة، ترفض المشاركة في حوار سياسي بنّاء وهذا يدل على دورها في تعميق الأزمة.
وهذا يعني أن نجاح المؤتمرات القادمة على الأرضية السابقة لن يأتي بالحل بل سيقود الى تعقيدات جديدة، وأسباب ذلك تتعلق بغياب الإرادة الدولية أو تواريها خلف مصالح دول وأنظمة، واستمرار المجموعات المتطرفة والإرهابية في تنفيذ أجندات إقليمية ودولية تهدف الى تدمير مقدرات سوريا وبنيتها الاجتماعية.
وكذلك، إن إنتظار بعض القوى السياسية أن يأتي الحل من الخارج، وفي وقت تفتقد هي لأبسط المقومات للمبادرة السياسية، يعني الدوران في حلقة مفرغة.
فشل الرهان على الأجندات الخارجية
إن مقومات النجاح لأي مبادرة تتجلّى في قدرتها على فتح ثغرة في جدار الأزمة، ووضع أسس مقبولة لأي حل سياسي شامل وعميق مع مكونات سياسية من المعارضة الوطنية السلمية التي ترفض التدخل الخارجي والعنف والطائفية والتقسيم والإرتهان للخارج. هذه الأساسيات ضرورية لبناء مناخ ملائم لحوار سياسي مع معارضة الداخل، ومثل هذا التصور، سيسمح بضبط آليات الصراع مع الحكومة السورية. أما الجهات التي تلعب من خلف الحدود والمحكومة بأجندات خارجية، فهي بمسؤولية الأطراف الدولية والإقليمية التي ساهمت بصنعها وهي مَن يتحكّم بضبطها، هذه الأطراف هي ذاتها التي غذّت الإرهاب وتموله، والسؤال الأهم يتعلق بإستعداد تلك الأطراف لأن تغيّر سلوكها والتوصل الى قناعة بأن الصراع بأشكاله الحالية أصبح كارثة إقليمية ودولية، أما في حال لم تتوفر تلك المؤشرات، هذا يعني إصرار تلك الدول الضالعة على مواصلة القتال بأدواتها المحلية والخارجية بهدف الإستمرار في لعبة التدمير والخراب، وهذا يعني أن أبواب الحل السياسي قد أغلقت تماماً، وهناك مَن يحاول الإستثمار في الأزمة ويلعب لعبة الوقت والإستنزاف، ويملك طول النفس لأنه لا يدفع الثمن وأكثر من ذلك، فهو المستفيد الأكبر من الحالة الراهنة لأكثر من سبب، ولأكثر من هدف، ومَن يدفع الثمن هم أهل المنطقة بالذات وخاصة أولئك الذين ارتضوا أن يكونوا مجرد أدوات في لعبة كبيرة هدفها إعادة تقسيم المنطقة وهذا حسب تصورهم لا يمكن أن يتم إلا بتدمير كل الموانع والعوائق وكل أسباب الصمود والمقاومة، لكن إتجاه الريح لا تأتي كما تشتهي سفن الربان.
وفي ظل هذه الأجواء، يستمر البحث عن سبل إيجاد توافقات إقليمية ودولية للخروج من الحرب والشروع في حل الأزمة، ويتم ربط الملفات ببعضها في المنطقة والعالم وهذه بمثابة وصفة لإستمرار الحالة الراهنة، لأن الظروف الدولية وخصوصاً العلاقة الحساسة بين موسكو وواشنطن تحتاج الى المزيد من التطوير والبحث عن نقاط التلاقي أو الميل الى نوع من التهدئة أو التجميد حسب استعارات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي يرى بأنها حرب باردة وتّرت الأجواء الدولية على نحو غير مقبول. وضمن هذه الظروف، تستخدم المنظمات المتطرفة مثل “داعش” و”النصرة” وغيرها من الجماعات المرتبطة بالقاعدة والموضوعة على لائحة الإرهاب العالمي، بعض الأسلحة النوعية التي حازت عليها من خلال معارك الإقصاء التي جرت مع تنظيمات أخرى محسوبة على ما يسمى “الإعتدال”، وهي بذلك تحاول أن توحي بأنها القوة الفاعلة على الأرض، وهي تعمل لإفشال فكرة أو خطة المبعوث الدولي دي ميستورا وهي تبغي من وراء ذلك خلق واقع جديد على الأرض يكرّس صراعاً متعدد الأطراف، أي بقاء الصراع مفتوحاً في الأمد المنظور، وربما يكون هذا التطور رداً مباشراً على بعض المواقف الجديدة التي برزت مؤخراً والقائلة “بأن ما يمكنه القضاء على الإرهاب هو إعادة اللحمة بين الجيش السوري النظامي ومقاتلي المعارضة بعد تغيير سياسي”، ويأتي هذا التطور في سياق الإتصالات التي تقوم بها روسيا لخلق نوع من التوافقات ضمن “المعارضة” تتخطى الإنقسامات والشرذمة، وعدم ممانعة الولايات المتحدة على هذه الجهود، والبعض من “المعارضة” تحدّث عن ضرورة توحيد الجهود لمحاربة “داعش”، الخطر الأكبر، ولا بدّ من عملية سياسية، وحل سياسي يجب أن يقوم على توافق سوري – سوري أولاً ثمّ توافق إقليمي ودولي.
وموقف موسكو يتميّز بالوضوح، وهي تريد حلاً سياسياً، ولن تسمح لأحد بتجاوز الخطوط الحمراء التي تمس بالسيادة السورية ورسالتها واضحة الى الجهات الدولية في هذا المجال، وهي تبحث عن حل سياسي يؤدي الى عزل القوى المتطرفة التي تتمسّك بالحل العسكري ولديها أجندتها الخاصة.
ويبدو أن الطريق أصبحت سالكة أمام أي مبادرة روسية فاعلة، في الوقت الذي غابت فيه أي مبادرة أميركية أو غربية أو عربية للخروج من الحالة الراهنة، وهذا يؤكّد الحقائق التي أشرنا إليها عن مدى حجم الرهان على تدمير سوريا أو إضعافها وتفتيتها، ويمكن القول، فشلت الدول الغربية ومعها الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة في إيجاد أي حل مقبول، وهي التي ساهمت في عدم التوصل الى حل من أجل تحقيق مكاسب آنية ومصلحية، لذلك هي لم تفعل أو لا تريد أن تفعل.
الحوار سوري – سوري
وعن ماهية الإتصالات الروسية مع الأطراف المعنية، هي تريد حوار غير رسمي تحضيري أو تمهيدي لإستعادة اللياقة والتحضير، وبدأت بدعوة شخصيات سياسية يعرفونها وتحدثوا معها في السنوات السابقة.
وكان نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف قد تحدّث عن إمكانية عقد مؤتمر موسكو – 1، وقال هناك مؤشرات إيجابية، ولكن مَن يرفض المشاركة، سيقدمه أمام العالم على أنه ضد الحل، وبدوره قال المبعوث الدولي دي ميستورا: “في حال جرى تبنّي المبادرة الروسية ودعمها يمكن أن تكون مكملة لخطة تجميد القتال بدءًا من حلب.
اللافت أن روسيا ودي ميستورا، لم يقدما حتى الآن أي مبادرة مكتوبة، لكنهم يهتمون بتفعيل الحل السياسي ويدعمون الحوار السوري – السوري.
ونقول جدلاً في حال تمكّنت روسيا من جمع الأطراف فعلياً، كما هي الأفكار الروسية والمواقف المبدئية والثابتة، سيتحدّث الوفد السوري بالإعتماد على “لغة واقعية سياسية” وتتمثّل في قراءة مفادها، أن أي حلول يجب أن تجري في إطار توافق الطرفين، ومن خلال حوار سوري – سوري، على أن يؤخذ بعين الإعتبار، أن ثمة طرفاً يملك القدرة والمساحة والجيش والاعتراف الدولي والرؤية الواضحة بمساندة حلفاء أقوياء، بينما الطرف الآخر مشتّت بين ولاءات مختلفة وضعيفة البنية والقدرة التأثيرية، وتدور في رؤى حاضرية مستويات مختلفة من التصورات عن سوريا الغد.
سوريا واجهت بقوة، صمدت وانتصرت بكافة المقاييس ورغم شدة الهجمة، وهي ستتجاوز كل القطوع وستفرض معادلتها في الميدان والرؤى، وهي ترى تناقضات المشهد الدولي الراهن وعجزه، ونتائج المبادرات السابقة كانت أشبه ما تكون بتصادم قوى وفي محصلتها لم تؤدِّ الى أي نتيجة.
لكن المبادرة اليوم مختلفة، بإعتبار أن الراعي هو روسيا، صديقة سوريا، وهي ليست نجماً محبوباً لدى دول الغرب وتوابعه، بينما يراها الإعلام الحليف في مبادرتها وكأنها وجه من أوجه التعاون السوري مع الجهود الدولية لتحقيق تسويات تصل لأن تكون مدخلاً لإنهاء الأزمة، علماً بأن الفشل سيقع على عاتق الطرف الأضعف في المعادلة ومكمن ضعفه في قدرته على الإلتزام والخروج من اللعبة “المعارضة” الى تحمل المسؤولية الوطنية والإقلاع عن الرهانات والأجندات الخارجية.
ما قاله مخائيل بوغدانوف وهو يقوم بتنسيق جهود الحوار بصراحة ودبلوماسية “بأن موسكو لا تبني توقعات كبيرة على هذه اللقاءات”، وهذا يعني أن الدولة السورية لن تتخلى عن أي صلاحية من صلاحياتها ولا عن دورها الذي حافظت عليه بالتضحيات.
وتلقى مبادرة المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا، التشجيع من دون الموافقة، ويراها خبراء العمل الدبلوماسي في سوريا، بأنها “ضعيفة ومثيرة للريبة”، لكن سيتم التعاون بشأنها وينتظر من المبعوث الدولي، أن يكون “خلاقاً أكثر” وعليه الإعتراف بوضوح بأن الدولة السورية هي التي تقرّر كيف تسير الأمور في النهاية، والأولوية محاربة الإرهاب وإيجاد مداخل حقيقية للبدء بإنهاء الأزمة.
ومن جهة أخرى ينظر أعداء سوريا بريبة الى خطة المبعوث الدولي دي ميستورا وعلى أنها مشروع شفهي غير مكتوب، والمبادرة الروسية مشروع غامض، وهم بذلك يحاولون خلط الأوراق والعودة الى بيان جنيف – 1 رغم أن الظروف تغيّرت كثيراً بعد أن فشلوا من النيل من سوريا، والأفق بالنسبة إليهم سوداوي، وخاصة في ظل رفض أميركي لما تعتبره تركيا مشروعاً مثالياً، وهو إقامة منطقة عازلة (الآمنة) حسب تعبيرهم وأيّدتها فرنسا في ذلك.
أما مضمون المبادرة الروسية فهو ضرورة تضافر الجهود لمواجهة الإرهابيين، وإجراء حوار من دون شروط مسبقة ولكن “مع بيان جنيف في فقرته التي تتحدث عن محاربة الإرهاب مع تجاهل ما سمي هيئة الحكم الإنتقالية” ومقابل اعتبار الحوار مساهمة في جهود المبعوث الدولي، ودعوة إيران للمشاركة في جهودها.
إن مشاركة سوريا في اللقاء التمهيدي التشاوري في موسكو، سيأتي تلبية لتطلعات السوريين لإيجاد حل للأزمة يهدف الى التوافق على عقد مؤتمر للحوار بين السوريين أنفسهم من دون أي تدخل خارجي.
وتضمّنت رسالة الدعوة الروسية أسساً ومبادئ، التأكيد على احترام روسيا لسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، والتنويه الى الصداقة التقليدية بين البلدين، والتعاطف مع الشعب السوري بكل مكوناته، والتنديد بالإرهاب بكافة أشكاله وضرورة تضافر الجهود لمواجهة الإرهابيين والمتطرفين في سوريا.