في المحصلة العامة ساحات الصراع مترابطة، وفي هذا التوقيت بالذات، يبدو أن الصراع على أوكرانيا بين موسكو وواشنطن قد بدأ يأخذ أبعاداً جديدة، وتأثيراته تتّضح من خلال الجدل الدائر في دول الإتحاد الأوروبي المتخوفة على مصالحها وهي غير مستعدة لدفع الأثمان، وتعيش أوروبا أزمة اقتصادية تهدّد تماسك الإتحاد الأوروبي، بالإضافة الى أخطار الحرب في أوكرانيا، وضرورة مواجهة التحديات الأمنية للإرهاب.
هناك خلافات حول سبل معالجة الأزمة الاقتصادية التي أوجدت تصدعاً داخلياً في دول الإتحاد، وموقف الحكومة الجديدة من أثينا كان قوياً وواضحاً وهو يرفض خطط التقشف الدولية التي تهدد بحرمان اليونانيين لقمة العيش لمصلحة تسديد ديونهم، وموقف لندن المتحفظ على فتح الحدود بالكامل أمام المهاجرين من دول أوروبا الشرقية الطامعين بمقاسمة البريطانيين فرص عملهم.
لكن الجديد هذه المرة هو تصاعد الأزمة وأبرزها المواجهة الأميركية – الروسية في أوكرانيا والتي تتحوّل الى استقطاب بين الأوروبيين، ويزيد من حدتها ما أعلنه البيت الأبيض عن أولويات الأمن القومي الأميركي وضرورة التصدي لروسيا، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية تترقّب مواجهة مفتوحة مع روسيا.
وتأتي هذه المواجهة على وقع تباين واضح في وجهات النظر بين الولايات المتحدة والدول المؤثرة في الإتحاد الأوروبي، التي حدّدت مواقفها وتتّخذ أشكالاً جذرية وهي تشير الى أن أولويات الولايات المتحدة لا تعنيها بمقدار ما يعنيها تفادي حرب تدفع ثمنها أوروبا.
وفي التفاصيل، تحفّظت أسبانيا على نية الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بالسلاح وأيّدتها بريطانيا حيث قال وزير خارجيتها فيليب هاموند في بروكسل: “المسألة خيار واشنطن وحدها”، بينما قال وزير الخارجية الأسبانية: “إن العقوبات على روسيا كبّدت الإتحاد الأوروبي خسائر قيمتها 21 بليون يورو في مجال الصادرات وهي كلفة كبيرة جداً، ونحن في وضع خطير جداً، والإتفاق الذي قد يبرم حول خطة السلام الألمانية – الفرنسية هو الفرصة الأخيرة قبل الإنتقال الى سيناريو جديد يتمثّل بتشديد العقوبات على روسيا.
الرئيس الأميركي باراك أوباما قال: “في حال فشل الدبلوماسية هذا الأسبوع وجّهت فريقي الى وضع خيارات أخرى بينها التسليح، ولا حل عسكرياً، لكن الهدف تغيير حسابات روسيا، علماً بأنني لم أتّخذ القرار”.
من هنا جاءت المبادرة الألمانية – الفرنسية لمحاورة الكرملين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عبّرت عن موقفها معارضة إندفاع واشنطن في خطة تسلح أوكرانيا المناوئ للروس وهدفه قلب ميزان القوى وإلحاق هزيمة بالقوات الموالية لموسكو شرق أوكرانيا.
وترفض روسيا خطوات الحلف الأطلسي وتمدّد النفوذ الأميركي الى حديقتها الخلفية في أوكرانيا، وأعربت عن تحفظها الشديد عن توسع الأطلسي شرقاً ونشر صواريخه في أراضٍ متاخمة لروسيا، والأوروبيون يدركون مواقف روسيا وتتلخّص في وجود حلفاء في أروقة السلطة في أوكرانيا وغيرها وخلق واقع جيوسياسي على الأرض وحماية مصالحها الاستراتيجية.
الأنظار اليوم تتّجه الى قمة مينسك (الرئيس بوتين والفرنسي هولاند والأوكراني بيترو بوروشينكو والمستشارة الألمانية ميركل)، للبحث في تسوية وخارطة طريق تهمش إندفاع الجانب الأميركي وتبعد شبح الحرب في أوروبا، وتحقق لبوتين مطلبه في إبقاء نفوذ الأطلسي بعيداً، وهذا هو الممكن لأن أوروبا مازالت غارقة في أزمتها المالية وشبح الإرهاب يهدد الجميع.