إن تحرير عين العرب (كوباني) وهزيمة “داعش” هو أبعد من مجرد الإنتصار في معركة عسكرية، هو إنتصار للحق والعدل والكرامة الإنسانية في مواجهة التوحش والفكر التكفيري، وهو مؤشر هام له إنعكاساته على أكثر من ساحة وستصل إمتداداته وتأثيراته لتلامس مصالح الشعوب في الشرق الأوسط وأنحاء العالم، وفي المنطقة ومن خلال الرؤية التي يتمسك بها “حزب الإتحاد الديمقراطي” في سوريا والتي ستنعكس على “حزب العمال الكردستاني” في تركيا، وفي التوقيت، تحقق الإنتصار في وقت حساس للغاية، إذ أن المفاوضات بين “حزب العمال الكردستاني” والدولة التركية قائمة من أجل حل للمشكلة الكردية في تركيا، وهذا سيسمح للأكراد للدفاع عن مطالبهم بقوة أكبر ومواصلة نضالهم وانتزاع حقوقهم.
وهذا الإنتصار، هو ثمرة كل الجهود المبذولة لمحاربة “داعش”، وفي الأولوية منها سوريا وما تمثله وشعبها وقيادتها، ويشكّل تحرير عين العرب (كوباني) هزيمة لتركيا وحكومة “حزب العدالة والتنمية” وأردوغان بالذات، ومن شأن هذا أن يُضعف حجج وذرائع حكومة أردوغان التي تطالب بمنطقة عازلة على طول الحدود السورية مع تركيا، وهذا الإنتصار يجعل من حزب الإتحاد الديمقراطي لاعباً أساسياً في المنطقة الحدودية وبغير ما تمناه “حزب اللعدالة والتنمية” وأردوغان.
والنتيجة الأبرز لما سيأتي من تداعيات، هي الآثار المستقبلية على خرائط النفوذ للقوى الدولية والإقليمية، وضعف العامل التركي ومدى تأثيره في الملف الكردي في سوريا وفي تركيا أيضاً، ومن ثمّ فشل المشروع الإمبراطوري التركي وبداية الإنتصار النهائي لسوريا وحلفائها.
وهناك دلالات هامة من خلال هذا الإنجاز، وتأثيرات تتعلق بالإنتخابات التركية القادمة وتصب في مصلحة “حزب العمال الكردستاني”.
ويرى مراقبون، بأن حزب “سيريزا” اليوناني هو شريك غير مباشر في الإنتصار الذي تحقق، وبالإضافة الى فوزه في الإنتخابات اليونانية، أصبح زعيمه أليكسيس تسيبراس رئيس الحكومة اليونانية الجديدة، وهو من أبرز المتضامنين مع المقاتلين الأكراد واعترض على سياسة حصار الحكومة التركية لعين العرب، ولحزب “سيريزا” علاقة قوية مع “حزب الشعوب الديمقراطية” الكردي في تركيا ومع حزب “الحرية والتضامن” اليساري.
إن فوز اليسار اليوناني سيشكّل حافزاً إضافياً لتصب أصوات معظم اليسار التركي أو غير اليسار لصالح “حزب الشعوب الديمقراطية” الكردي، وهذا سيتيح للحزب أن يتجاوز الـ 10 % الضرورية للدخول الى البرلمان، وإذا تحقق ذلك، هذا يعني حرمان حزب العدالة والتنمية من الحصول على أكثر من 40 نائباً، وهذا يؤدي الى إفشال خطة أردوغان لتعديل الدستور في البرلمان والإنتقال الى نظام رئاسي ينقل الصلاحيات إليه كرئيس للجمهورية.
يبدو أن خطوط اللعبة هذه المرة تتجاوز عين العرب (كوباني) وصولاً الى اليونان، وبالتأكيد، الآتي أعظم!.