لا يولد الإرهاب من فراغ، وهو ليس عارضاً طارئاً في الدول والمجتمعات التي خضعت لمشيئة المستعمرين ردحاً من الزمن، هو نتاج كل الظروف والتراكمات السلبية التي تركت بصماتها على أرض الواقع، وهو نتاج الحروب والعدوان كما نتاج التخلّف والجهل، وفي الوصف أيضاً، هو أداة تمّ تطويعها في بيئة الهيمنة والتسلّط، وهو عامل أساسي في هدم الحضارة، تزداد قوته عند غياب الشرائع حيث تتحكّم الغرائز ويغيب النظام، والفوضى الهدامة هي التعبير لكل أعمال التدمير والتفتيت والتقسيم، تلك التي تستهدف الدول والمجتمعات، وهو ذلك المحمول في طيات مشاريع الهيمنة والعبودية وبكل الأوجه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
لكن الإرهاب عارض جديد في الدول الاستعمارية رغم أنه صنيعة تلك الدول وقد إرتدّ عليها عابراً للحدود، فهو وباء لا يحتاج إذناً حتى يفتك بالبشر ويدمر المدن العامرة، وهو ينمو ويقيم في الظلام، بيئته المفضّلة، لكنه يتستّر بشعارات رغم عدم امتلاكه لأي قيمة، وهو أيضاً يستغل الدين وطهارته وهو لا دين له في الواقع، وفلسفته لا علاقة لها بمنطق الأشياء، وهو ينكر علينا كل مقدساتنا، ويُحرف ويُبدع في اختلاق الذرائع والنواهي الخاصة به، فهو فكر تكفيري سبيله القتل والخراب للوصول الى مبتغاه، والجريمة بيئته وداره، وهي مصدر تعاسته وسعادته في آن، إنه الضياع بعينه.
وفي عصر العولمة، أصبح الإرهاب أشد فتكاً وتدميراً، وبحربه على البشرية تتعدد أنماطه وطرقه وأساليبه، لكن محصلته تبقى واحدة، فهو عدو الشعوب، يأتيهم في العواصم والمدن والقرى والأحياء، يأتي فراداً وجماعات، يهز الإستقرار ويثير الرعب والهلع في النفوس، وليس هناك من دولة مهما كبر شأنها أو صغر تستطيع الإفلات من أخطاره.
والسؤال ما علاقة الإرهاب بالدول الإستعمارية؟ بالتأكيد الإرهاب هو نتاج كل السياسات الهدامة والحروب المدمرة والأساليب الرعناء والرؤية الظلامية، وهو الأداة الطيعة التي تعيش على الخراب، ويستخدم بشكل أعم ويسمى إرهاب الدول، القتل واحد، وحيث تكون الحروب المدمرة، ينمو الإرهاب بسرعة، والدول الإستعمارية تتحمّل المسؤولية المباشرة عن عمل الإرهاب وما جرّ من دمار وخراب في العالم، وخلال الحرب الأميركية على العراق وأفغانستان نما الإرهاب بتسارع كبير، وذلك بسبب علاقته العضوية بكل ما هو ظلامي في السلوك البشري.
وفي الحرب الكونية التي تُشن على سوريا، كان للإرهاب دور واضح، إلتقط اللحظة والفرصة وفضح كل المشاريع والسياسات والرهانات التي ساهمت في تنميته وكان الهدف استخدامه لتحقيق أهداف معلنة، لكن فشل صانعيه في تحقيق أهدافهم، جعله ينمو بطريقة سرطانية كظاهرة مدمرة، وبات يهدّد صانعيه ويفضحهم.
سيناريو أفغانستان يتكرّر في الشرق الأوسط بكل فصوله ومشاهده وسلوكه، وفي العراق أيضاً، تمّ إثارة الفتن المذهبية والنزاعات القومية وخلط الأوراق، وترك المنطقة تحصد ما زرعوه من إرهاب لا حدود له.
وفي سوريا، حاولت الدول التي تآمرت أن تُسخّر الإرهاب لتنفيذ مآربها، والهدف تدمير سوريا أو إضعافها وإعادة تقسيم المنطقة من جديد، واستخدمت قوى الإرهاب في أكثر من ثمانين دولة، وتناست تلك الدول مسؤوليتها الأخلاقية كدول يتحتّم عليها حفظ السلم وتحقيق الإستقرار، وتناست “إسرائيل” التي تمّ زرعها في قلب الأمة العربية كي تظل معول هدم وتدمير بما تمثّله من إرهاب وجرائم شنيعة، ويسألونك عن مصدر الإرهاب!