رحلت قامة وطنية عالية الجبين شكّلت رمزاً وطنياً بارزاً وعلامة مضيئة في تاريخ لبنان.
أبو خالد جمع في شخصه أنبل الصفات وأروع القيم الوطنية والاجتماعية، ترك لنا إرثاً نضالياً وطريقاً واضح المعالم، في سيرته وفاء منقطع النظير وثبات مشهود ومواقف مشرفة تركت بصماتها الواضحة خلال مسيرة حافلة بالعطاء، وكان جديراً بالحياة كما هو اليوم جدير بالخلود.
خاض الرئيس عمر كرامي غمار العمل السياسي بصدقية مشهودة وفي أصعب اللحظات التي مرّ بها لبنان والمنطقة، فكان رجل المرحلة الصعبة في تاريخ الوطن.
وطنيّ وعروبي بإمتياز وصاحب المواقف الجريئة والحاسمة، كان يردد دائماً عبارته الرائعة “لن أخرج عن الثوابت”، وردّدها من بعده نجله الوزير فيصل كرامي في بيان نعي والده.
ناضل الرئيس عمر كرامي بكل قوة بفكره وممارسته، وقاوم محاولات شطبه عندما عصفت رياح مجنونة بشؤون البلاد وصمد وانتصر أمام كل امتحان وحافظ على كرامته ووضعها في المكان الأول في سلم الأولويات.
تحمّل مسؤولياته في الحكم، وإلتزم القول بالفعل وعلى أن الحكم تكليف كبير ومسؤولية وطنية، ومَن يقرّر تحملها يكون قد قرّر أن يتحمّل المخاطر، كان مدافعاً صلباً عن القضية الفلسطينية، وفياً لعروبته، خاصم النظام السياسي الطائفي ونادى بالنسبية في القانون الإنتخابي ورفض الخصخصة بالمطلق وهذا تأكيداً على إلتزامه مصالح الدولة والمجتمع ممثلة بالقطاع العام.
وكان الرئيس عمر كرامي يردّد دوماً “بأن المنصب ذاهب ويبقى الرجال والحكم شجاعة وقرار”، وفي وداعه خرجت طرابلس كما لبنان بأسره، وظهر وجه طرابلس الحقيقي الذي أمضى حياته من أجل إبرازه وتعظيم دوره وموقعه على خارطة الوطن.
وفي وداعه المهيب كما هي منزلته، كبر لبنان بأمثاله وستذكره الأجيال ويخلّده التاريخ في سجل المجد نبراساً وعلى هداه يسير أبناء الوطن وهاماتهم عالية وراياتهم خفاقة.
رحل أبو خالد وترك لنا سجلاً نضالياً حافلاً ومسيرة من العطاء والمواقف، وعلينا استخلاص الدروس والعبر، وهي مناسبة هامة لوقفة موضوعية مع الذات والوطن ونضع من خلالها كل التراكمات الإيجابية في بوتقة واحدة ووحدة وطنية حقيقية تجسّد كل قيم العيش المشترك وتحمي لبنان من الأخطار الماثلة والمتعددة.
هذا هو الوفاء لمسيرة الرئيس عمر كرامي، حماية للبنان وتكاملاً مع أبناء أمتنا في سبيل قضايانا المشتركة وصولاً للوحدة النضالية في محاربة الإرهاب…
محمود صالح