يسأل المواطن العربي عن الأزمات الضاربة في جسد الأمة العربية وعن إمكانية الخروج منها وإيقاف تداعياتها المدمرة، ويحاول أن يتلمس طريق الخلاص من الكابوس الثقيل، وفي الحديث عن العلاج لا بد من البحث في الأسباب والتراكمات وهي السبب الأساسي.
أما التأزيم السياسي في المشهد العربي هو نتاج جميع الظروف التي أوصلت الى الحالة الراهنة، من تفرقة وضعف وهوان وتفريط وتعصب والرهان على الوقت رغم أنه لا يرحم مَن لا يحسب له الحساب ويستغله في الإتجاه الصحيح.
وخلال عقود خلت، تعددت الرؤى وتناقضت في محصلة واحدة تساوي الصفر، أي مرحلة إنعدام الرؤية الجامعة، وكان التخبط واللامبالاة والإرتهان وتغيّرت المفاهيم لدى البعض، الذين ينظرون الى مفهوم الحرية من زاوية المصالح الفئوية الضيقة وبعيداً عن حرية الوطن والمواطن.
والسؤال، لماذا يصرّ البعض على تزوير المفاهيم؟ وكيف يترجم مفهوم الحرية على أرض الواقع؟ وما دور المواطن العربي في الحفاظ على مكتسباته وإنجازاته على مدار عقود من الزمن؟
وهناك ما يتعلق بمستوى الأداء لدى المواطن العربي الذي يعكس المعادلة الناظمة للرغبات والمقدرات وبالتالي دور المواطن ومدى مساهمته في الناتج العام.
والسؤال أيضاً يتعلق بخطط التنمية بشكل عام، وهل كانت موجودة حقاً، ويتم تنفيذ تتبعها وتقييمها وتصحيح الإنحرافات فيها.
وعند الحديث عن الفشل أو النجاح، نسأل عن دور العوامل الموضوعية والمؤثرات الخارجية وأوجه الصراع في المنطقة ومَن يعمل على تغيير إتجاه البوصلة في عالمنا العربي على عكس ما يشتهي أبناء الأمة، والأهم من كل ذلك وذاك، ما مصير الصراع العربي – الإسرائيلي في هذا الزمن الصعب؟، أليست فلسطين قضية الأمة بأجمعها، و”إسرائيل” عدونا وهو الثكنة المتقدمة للدول الإستعمارية في منطقتنا والسيف المسلط على كل إمكانيات النهوض والتقدم في واقعنا ومستقبل أجيالنا.
ونسأل عن طرق الخلاص من واقع مأساوي وكيفية إيجاد توافقات إقليمية ودولية للخروج من حالة الأزمة الى بر الأمان، ونجد بأن الملفات جميعها مترابطة بإحكام، وما يلفت الإهتمام، حديث البعض عن “قمة عربية”، يمكن أن تساهم في إحداث تغيير ما في الواقع الراهن، ونقول هنا، إن فاقد الشيء لا يعطيه، ومَن أضاع البوصلة، كيف له أن يصل الى طريق الصواب؟
ويحدثونك عن دور متصاعد للدول الغربية وإمكانية مساهمتها في إيجاد حل لأزمات المنطقة العربية! وانطلاقاً من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يمضي بعيداً في رحلة تعصب سلطوي، تترافق مع غض النظر عن فعاليات التطرف التكفيري في تركيا بالذات، وعبرها الى سوريا والعراق، وهذه الظروف الإقليمية تعمل لمصلحة إعادة الدولة السورية الى الإطار الرسمي العربي، ومن ثمّ نزع الوصاية التركية عن بعض الدول العربية، ولكنهم يرون أيضاً، أن الظروف الدولية وخصوصاً العلاقة الحساسة بين موسكو وواشنطن تحتاج الى المزيد من الإصلاح والتطوير وصولاً الى التهدئة أو “التجميد” حسب تعبير المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا، وبأن حرب باردة هي مَن وتّر الأجواء الدولية على نحو غير مقبول.
وضمن هذه الظروف، تستخدم الجماعات المرتبطة بالقاعدة مثل “النصرة” و”أحرار الشام” وغيرها الموضوعة على لائحة الإرهاب العالمي بعض الأسلحة النوعية التي حازت عليها كما يقولون من خلال معارك الإقصاء التي جرت مع تنظيمات أخرى محسوبة على “الإعتدال”، وتعمل تلك الجماعات بطريقة توحي وكأنها القوة الفاعلة على الأرض، والهدف من وراء ذلك إفشال خطة أو مبادرة المبعوث الدولي تحت مشهد جديد يكرّس صراعاً متعدد الأطراف.
ويأتي هذا التطور في سياق الإتصالات التي تقوم بها روسيا لخلق نوع من التوافقات لدى “المعارضة” تتخطى الإنقسامات والشرذمة. وبعض من “المعارضة” يتحدث عن ضرورة توحيد الجهود لمحاربة “داعش” الخطر الأكبر وتتحدث عن عملية سياسية وحل سياسي يجب أن يقوم على حل سوري – سوري أولاً وبعدها يأتي توافق إقليمي ودولي.
وتبدو موسكو وقد عزمت أمرها وهي لن تسمح لأحد بتجاوز الخطوط الحمراء التي تتعلق بالحفاظ على الدولة السورية، وعلى الحل السياسي الذي يؤدي الى عزل القوى المتطرفة.
الطريق أصبحت سالكة أمام أي مبادرة روسية لإنهاء الأزمة، بعد أن فشلت الدول الغربية في تحقيق أي حل يؤدي الى الإستقرار، والبعض يشير الى أن تلك الدول لم تساهم فعلياً في التوصل الى حل من أجل تحقيق مكاسب ذاتية.
وعن ماهية الخطوات الروسية، بدأت موسكو بالإتصالات مع الأطراف المعنية، وهي تريد حوار غير رسمي، تحضيري أو تمهيدي، بدعوة شخصيات سياسية يعرفونها وتحدثوا معها في السنوات السابقة، والليونة السياسية التي قال عنها البعض، بأنها طبعت زيارة بوغدانوف الى تركيا وحديثه عن مؤتمر موسكو -1 وتأكيده بأن مَن سيرفض المشاركة، سيقدمه العالم على أنه ضد الحل.
واللافت أيضاً، أن روسيا والمبعوث الدولي دي ميستورا، لم يقدموا حتى الآن أية مبادرة مكتوبة ومازالوا في مرحلة تفعيل الحل السياسي ودعم الحوار ليكون “سوري – سوري” أولاً، وذلك بانتظار التوافقات الإقليمية والدولية.