الأحداث والتطورات التي عصفت في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، دفعت تركيا بقيادة “حزب العدالة والتنمية” الى الإبتعاد عن حدودها في الرؤى والحسابات، تحركت لملء الفراغ الجيوسياسي والجيواستراتيجي الذي نشأ من إختلال التوازن بين دول المنطقة وحالات خلط الأوراق، ركبت تركيا “أردوغان” موجة الأحداث بعد عملية إعلامية ضخمة من خلال الدعاية التركية المخالفة مع جهات إعلامية “عربية”، إتخذت من عملية الإبهار والتضليل الإعلامي سبيلاً لصنع القبول والموافقة على سياستها العدوانية تجاه سوريا ومصر على وجه الخصوص.
لجأت تركيا إلى إجراءات دعمت الأعمال الإرهابية المروعة ضد سوريا، وقامت بعملية تدوير لأشد الأوساط رجعية في العالم الإسلامي والغربي عموماً، وتعرضت سوريا على أثرها لحملات بربرية، تركت خلفها الخراب في إطار إيديولوجيه إسلاموية وممارسة السلاطين.
إنقلبت تركيا على ما رسمته من المبادىء التأسيسية للسياسة الخارجية، التي أكدت في عام 2010 على التوزان بين الأمن والديمقراطية، وبالإلتزام الجوهري بالمحافظة على علاقات إيجابية مع دول الجوار وتعميق دبلوماسية السلام.
ووجدت بالتناقضات التي حصلت في المنطقة، فرصة للإنقلاب على المبادىء التي نادت بها، وسعت للإضطلاع بمهام أساسية لتأجيج النزاعات والإستثمار فيها وفتحت الباب على كل تخريب وتدمير، وهي بذلك عادت الى نزعة عثمانية جديدة، واعتبر أحمد داوود أوغلو في كتابيه “الأزمة العالمية” و”العمق الإستراتيجي”: “أن السيطرة على الأحواض الثلاثة التي تحد بلاده، سيؤدي الى السيطرة على العالم”، ويريد أوغلو أن يرتقي بتركيا لتصبح دولة محورية مركزية بحكم موقعها وعمقها الإستراتيجي للعب أدوار قيادية في المجالين الإقليمي والدولي، وهو يرى: “أن تكوين تركيا الإقليمي المتنوع يضفي عليها قدرة المناورة في مناطق عدة في وقت واحد”، وبالتالي بمقدور تركيا في ظل التحولات العميقة التي طرأت على الخارطة السياسية والإقليمية والعالمية إستغلال مزاياها الآتية لخلق نظام شرق أوسطي جديد.
وفي أوج التناقضات الإقليمية خرجت تركيا سريعاً من مبدأ تصفير مشكلات” مع دول الجوار لتدخل على خط لعبة التوازنات الدقيقة لا كشريك في معادلة “التمكين المتبادل” مع دول حليفة لها مصالحها ودوافعها في رسم خرائط المنطقة، وإنما لقطع الطريق على أي تحد لنفوذها ومكانتها الإستراتيجة كدولة جديدة.
أدركت “تركيا – أردوغان”، أن فرصتها حانت، وأنها قوة جذب لمشروعين متنافسين، إدارة الفوضى الأميركية وإدارة التوحش (داعش)، وإنها الوحيدة القادرة أن تستفيد من مأزقهما ومن إنهيار قواعد الأخلاق ومبادىء القانون الدولي على ساحات الصراع الدولية، إذ لن يكون هناك مَن يعترض على سياسات تركية مسعورة في وقت يمارس فيه أصحاب إستراتيجية الفوضى “البناءة” وأصحاب إستراتيجة إدارة “التوحش” كل القطاعات للوصول الى أهدافهم.
وتأكد، أن خيارات تركيا أردوغان أتت بنتائج عكسية وأسفرت عن أوضاع كارثية، وثبت أن طرق عبورها الى الشرق الأوسط أصبحت مقفلة، لا منطقة عازلة كما تشتهي بسبب صمود سوريا ومعها محور المقاومة بكافة أركانه ودعم الحلفاء والأصدقاء.
وسيشهد التاريخ، أن أمجاد الخلافة العثمانية كانت مجرد أحلام إمبراطورية منفوخة بالغطرسة في واقع جديد لم يحسن الأتراك قراءته جيداً، وما يرتكبه أردوغان اليوم، يقضي تماماً على “النموذج التركي”، وحدث هذا بعد أن تورّمت أحلامه وفقد صوابه وبدأ يتهم “كتّاب تركيا” البارزين أنهم تحولوا الى أدوات في يد “المؤامرة الغربية” على حزب العدالة والتنمية لمجرد أنهم إنتقدوا القرارات التعسفية التي يتخذها، وفي قمة تهوره بدأ في نشر مناخ من الخوف والإرهاب لكل مَن ينتقد سياسته وقراراته، وهذا يؤكد أن أحلام العظمة المنتفخة والبطولات الوهمية هي السبب المباشر في إنهيار المجتمعات وتعميم التخلف على كافة المستويات.