نودّع الأيام الأخيرة من عام 2014 ونحن نستخلص الدروس والعبر، وحال الوطن العربي يكاد أن يعجز الوصف عن وصفه، أن في الخسائر البشرية والمادية والحضارية والأضرار المعنوية التي تسببت بها الحروب المدمّرة التي عصفت بكثير من الإنجازات والتراكمات التي توّجت خلال عقود خلت.
الأسئلة كثيرة ومحيّرة والكارثة التي أصابت البلاد العربية ستترك بصماتها على الأجيال وسيذكرها التاريخ بمزيد من التساؤلات وسيحاسب المرحلة بكل ما فيها من أثقال وتبعات، وستقول الحقائق كلمتها، بأن هناك مَن وقف بكل مروءة وبسالة واقتدار وقدّم التضحيات في سبيل الحفاظ على وجود وكرامة الأمة وقرأ ما يجري برؤية واضحة وشخّص الداء والدواء، وكان هناك الصمود والمقاومة في مواجهة ما تمّ تدبيره تحت جنح الظلام من خلال فكر إرهابي ظلامي عمل من أجل تدمير كل ما هو مشرق في تاريخ أمتنا، وفرّط بثروات الأمة وأشاع عدم الإستقرار وحاول إيقاف عملية الحياة والتطور.
حالة الجدل التي سادت بالتوازي مع تطور مسار الأحداث في منطقتنا العربية، أفرزت الكثير من التباينات والتوافقات وأظهرت ما كان مخبأ في الأدراج، وظهرت النوايا الدفينة لدى أولئك الذين ارتبطوا وجودياً ببقاء البلاد رهينة القوى الاستعمارية، وأصبحت الممارسات العملية هي الدالة الحقيقية، وهناك مَن هانت عليه بلاده وهانت عليه أسرته وذاته وارتضى أن يظل مجرد تابع لمتبوع بالأرض والإنسان وثروات الأمة ومستقبلها.
وحدها المقاومة بكل ما تعنيه وتمثّله هي أسمى وأنبل ما في الوجود، هي مَن ميّز المرحلة أيضاً ولوّنتها بإكليل الغار وبالمجد والبطولة والعنفوان والإصرار على المواجهة بكل إرادة وعزم وإيمان، وهي مَن أعطت للتاريخ معانيه وأحرفه المعمدة بدماء الشهداء، وجعلت طريق الحق والحقيقة ساطع واضح وتوّج بوعد صادق بأن النصر آتٍ مهما بلغ حجم العدوان وغيّه.
المقاومة هي مَن قربت المسافات وجعلت للمرحلة مقاييسها الطبيعية، وقالت الجغرافيا كلمتها بحق واقتدار كجسد واحد ومصير واحد، ونقول لا يضيرنا الإختلاف وهو من طبائع البشر وأنماط تفكيرهم وحساباتهم، ولكن نحتار بأولئك الذين يتحدثون بلغة المصالح البحتة، ويعاملون بني جلدتهم بهذه الصيغة وكأنهم دول وكيانات قائمة، وفي الحقيقة هم مجرد أتباع لسياسات سخّرتهم لخدمة أجندات خارجية وهي محرك وداعم لكل تدمير وتخريب وهمجية، وأقل ما يقال عنها أنها متصهينة بإمتياز.
وبعدها نسأل عن العلاج؟ وكيفية الخروج من مستنقع الأحداث الى آفاق الأمل المنشود والإستقلال الحقيقي والسيادة والتخلص من الظلم والعبودية والتجزئة والتقسيم وكل الأفكار الهدامة.
هل تعلمنا الدرس؟ استوقفنا ما جاء في مداولات قمة الدوحة الأخيرة: “بأن هناك أعباء تثقلها وتقيّد طموحاتها وأولوياتها الخليجية”، وهم يعترفون علناً بأن “تلك الأعباء أتت بقرارات أميركية متتالية فُرضت عملياً انطلاقاً من إحتياجات أميركية بالدرجة الأولى، وجدت الدول الخليجية نفسها تلعب دور الغطاء في كثير من الأحيان تلبية للإصرار الأميركي عليها، وخاضت مغامرات وأدوار مباشرة”، ويتحدثون عن استقلال السياسة عن التآخي فيما بينهم والقبول بالتباين في إطار التوافق، والسؤال هل نحن أمام مسرحية جديدة في المنطقة؟ ألا يكفي ما جرى؟
نقول: خلاصنا في وحدتنا وتماسكنا وتكاملنا ونبذ الأحقاد والتخلص من بقايا عنصريتنا وانغلاقنا الى آفاق رحبة، مصيرنا واحد وقوتنا واحدة ومستقبلنا واحد، تعالوا الى بداية الخلاص وانطلقوا بروح المقاومة وتعاونوا لدرء الأخطار والتخلص من أفكار بقايا الإستعمار وأتباعه.
التاريخ لا يرحم أحداً، والنأي بالنفس من لغة النعامة في أقل التقديرات.